السؤال
السلام عليكم.
أتساءل دائما عن الأسباب التي تجعلني أنا وأخواتي في حالة يرثى لها، إن كنا في المنزل أو العمل فلا أحد يعطينا اهتماما أو قيمة، فمثلا: في عملي أفاجأ بمواقف لم أكن سببا فيه، وأشعر أن أحدا وجه لي توبيخا، سأترك العمل لأني نظامية جدا.
وفي المنزل أنا وأخواتي البنات منبوذات من أبي وأخي والأقارب، أما أبي فيكرهنا لأن زواجه معطل بسببنا، فمن سترضى به وعنده أربع بنات؟! وأمي متوفاة، ونحن لو فتح لنا نصيبنا لن نفكر بالبقاء، وأخي دائما إذا حصلت مشكلة مع زوجته يخاصمنا فيريدنا مهما فعلت زوجته أن نسكت، وعندما يعرف أبي بالمشكلة لا يسمع منا، بل ينزل علينا وابلا من التوبيخات التي لا تصلح لطفل، فكيف ببنات أصغرهن في الخامسة والعشرين؟! على الرغم من مساهمتنا في المصروف، لا أعرف ماذا أكتب بعد؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ سمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتكم وأن يقضي حاجتكم، وأن يجعل لكم من لدنه وليا ونصيرا، وأن يمن عليكم بأزواج صالحين يخرجونكم من هذا الواقع المؤلم، وأن يكرمكم بالإصلاح ما بينكم وبين أبيكم وأخيكم، وأن يجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- وذكرك لهذا الواقع المؤلم الذي تعانون منه في المنزل أو العمل؛ فهو أمر مؤلم حقا؛ لأن الواحد منا دائما -خاصة النساء أو الفتيات- ليس له من مكان إلا البيت والعمل، فإذا كان الإنسان متعبا في منزله وبيته ومقر إقامته الدائم وكذلك في عمله فإلى أين يذهب؟! ومتى يستريح؟! وأين يستريح؟! إنها لحياة صعبة حقا أن يكون الإنسان يتقلب على الجمر ليلا ونهارا، سرا وجهارا، في داخل البيت وخارجه.
ولكني أقول: إن هذا قطعا لن يفوتكم أجره عند الله تبارك وتعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الأجر على قدر المشقة، والنبي صلى الله عليه وسلم أيضا أخبرنا بقوله: (إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)، وقال أيضا: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليست عليه من خطيئة).
فأنا أحب أن أبشرك -أختي الكريمة- وأخواتك معك بأن هذه الابتلاءات التي تحدث لن يفوتكم أجرها من الله تبارك وتعالى؛ لأنها أمور لعل بعضها خارج عن إرادتكم لا دخل لكم فيه، وإنما هو نوع من عدم التوفيق في التأقلم مع المجتمع، سواء أكان ذلك في المنزل أو العمل، فالعمل نظرا لنظاميتكن وحساسيتكن -وحساسيتك أنت شخصيا- قد تواجهن فيه بعض اللوم أو التوبيخ، في حين أنك لم تصنعي شيئا؛ لأنك لست كما يفعل أخواتك الأخريات من الموظفات أو المدرسات، وإنما لأنك حريصة على النظام فقد لا يروق هذا لكثير من زميلاتك أو من إدارتك، ولذلك قد يتكلمن عليك كلاما يؤذيك.
كذلك في البيت أنت وأخواتك الثلاث تسببن عبئا كبيرا لوالدكن -كما ذكرت- لأنه يرغب في الزواج وأنتن العقبة الكئود في طريقه، ولذلك يوجه اللوم والعتب لكن دائما، وهذا أمر لا دخل لكن فيه قطعا ولا خيار، فلو أن الأمر لكن لتمنت كل واحدة أن تكون قد تزوجت من سنوات وسنوات حتى تحيا بعيدة عن هذا الجو الكئيب المظلم.
وكذلك أخوكن أيضا الذي يجعلكن سببا في كل إشكال ما بينكن وبين زوجته، أيضا يعتدي على حقكن ويحملكن ما لا طاقة لكن به ويعاقبكن على ذنوب لم تقترفونها وعلى مخالفات لم ترتكبنها، فماذا نفعل؟
أولا: اعلمي -أختي الكريمة- أن أعظم حل إنما هو الصبر، فالصبر أعظم عامل من عوامل التغيير، وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا).
ثانيا: الدعاء، فالدعاء أيضا عامل من عوامل تغيير الواقع، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال -صلوات ربي وسلامه عليه-: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، وقال أيضا: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، والقرآن مليء بمواقف غيرها من الدعاء رغم استحالة بعضها في نظر البشر، كما أكرم الله زكريا -عليه السلام- بولده يحيى بعد أن وصل أكثر من مائة عام من العمر، ولكن الله على كل شيء قدير.
كما رد الله تبارك وتعالى بالدعاء بصر يعقوب عليه السلام بعد أن مرت عليه سنوات وسنوات وهو يعيش في الظلام الحالك، ورد له يوسف وأخاه بعد سنوات وسنوات، إلى غير ذلك من المواقف.
فنصيحتي لك وأخواتك معك بمواصلة الدعاء، إضافة إلى الصبر، وعدم اليأس مهما طال الزمن، فلابد لهذا الليل البهيم من فجر يبدد ظلماته وظلامه، فاجتهدن -بارك الله فيكن- في الدعاء والإلحاح على الله تعالى في كل وقت وحين، خاصة في مواطن الإجابة وفي أوقات الإجابة.
ثالثا: لا مانع من عمل رقية شرعية تقمن بها لأنفسكم، والرقية الشرعية آيات وأحاديث ثابتة عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بها يتغير الواقع أيضا، فأنت تعلمين ولا يخفى عليك أن الله جل جلاله أنزل سورة الناس والفلق شفاء لمثل هذه العلل والأمراض، وعندما سحر النبي صلى الله عليه وسلم سحره يهودي يسمى لبيد بن الأعصم نزل جبريل عليه السلام فرقى النبي صلى الله عليه وسلم بهاتين السورتين فشفاه الله تعالى، ولذلك الرقية الشرعية عموما إذا لم تنفع فلن تضر لأنها كلام الله تبارك وتعالى، فهي نافعة حقا، فلا مانع أن تقومي أنت برقية نفسك أو رقية أخواتك معك، أو أن تستعيني ببعضكن برقية بعض، وهنا توجد مواقع على الإنترنت فيها كيفية الرقية وعلاجها إذا لم يكن لديكن كتب تبين ذلك.
رابعا: المحافظة كذلك على أذكار الصباح والمساء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن العبد إذا قال عند خروجه من بيته: (بسم الله. توكلت على الله. اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي. فيقال له: كفيت وهديت ووقيت.. إلخ، فإن الشيطان يتنحى عن طريقه، فيقول الشيطان لصاحبه: كيف أنت برجل قد وقي وكفي وهدي).
فالمحافظة على الأذكار أيضا من العوامل التي تعين على الحفظ من العمل، وكذلك أذكار المساء، فلتحافظن -بارك الله فيكن على- على ذلك.
خامسا: المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والصلاة نور)، وإذا كان الإنسان يعيش في النور فإنه قطعا سيبدد الظلام من حوله، الصلاة نور، نور في البصر ونور في البصيرة ونور في الوجه ونور في القلب ونور في القبر ونور في الآخرة، فاجتهدي -بارك الله فيك- أنت وأخواتك في المحافظة على الصلاة والدعاء إلى الله تبارك وتعالى أن يفرج كربتكن وأن يمن عليكن بأزواج صالحين يخرجونكن من هذا الواقع لتعشن حياة طيبة آمنة مستقرة.
واعلمي -أختي الكريمة الفاضلة- أن ما له بداية له نهاية، فالحبل الطويل مهما طال فإن له بداية وقطعا له نهاية، والليل الطويل مهما طال فإن له بداية وقطعا له نهاية، وهذه الحياة التي تحيينها لها بداية وقطعا لها نهاية، كما قال تعالى: (( وتلك الأيام نداولها بين الناس ))[آل عمران:140]، فاجتهدن -بارك الله فيكن- أنت وأخواتك في الدعاء، وعليكن بالصبر والأخذ بالأسباب التي ذكرت، وعما قريب ستنفرج الكروب، وعلى قدر إخلاصكن في الدعاء سيأتي الفرج بإذن الله تعالى عاجلا.
أسأل الله لكن التوفيق والسداد والهداية والرشاد والزواج العاجل والصلاح في الدنيا والآخرة، والسعادة الدائمة أيضا.
هذا وبالله التوفيق.