السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي يا شيخ هي زوجي ـ الله يهديه ويسخره لي ـ سأقول قصتي من البداية حتى تستطيع تفهم الوضع، تزوجت قريبي من 12 سنة وكان أقل مني في كل شيء في المستوي التعليمي والمادي والاجتماعي، لكن النصيب الذي جمع بيننا، وكان ثمرة هذا الزواج 4 أولاد.
من أول يوم الزواج كانت الحياة طبيعية ومستقرة، لكن مع مرور الوقت زادت المشاكل وكبرت الفجوة بيني وبينه، ولا يوجد بيننا تفاهم أو حتى احترام، وبعد ما أنجبت طفلي الثالث تزوج علي وزادت المشاكل، لكن صبرت وقلت أتحمل لأجل عيالي ولا أريد أحدا يربيهم غيري، استمر في زواجه من الثانية 4 سنوات كانت بينهم مشاكل وزادت في السنوات الأخيرة، وفضلت زوجته أن تذهب عند أهلها وتتركه بسبب عدم التفاهم، والآن جالسة عند أهلها من سنتين لا يوجد بينهم أي اتصال، ولكن بدون طلاق.
زوجي يا شيخ منذ 7 أشهر صارت له مشاكل في مكان عمله ومع الناس، وأصبح انطوائيا، وتم تحويله من عمله إلى مستشفى الأمراض النفسية، وجلس هناك شهرين وخرج على مسئولية أخيه بدون موافقة المستشفى، وقبل أن يتمم العلاج يشعر دائما أن الناس ضده، ويحاولون أنهم يحطمونه ويؤذونه، وأصبح يمنعني من الذهاب للجيران ولأهلي وأهله، وأحس أن أطفالي يتعبون من تصرفاته.
المشكلة أنه منعني من الدوام وفصلني من وظيفتي، وعندي شغالة قام بتسفيرها ويقول لي: ما يصلح لك إلا البيت، ربي عيالك واهتمي فيهم، ودائما يحطمني ويقلل من قيمتي، بصراحة تعبت كثيرا واشتكيت لأهله وأهلي؛ لكن لا أسمع أحدا منهم! تعبت نفسيا وخائفة على عيالي من أن يتعقدوا.
انصحني يا شيخ لأني أفكر أن أتركه وأهتم بعيالي؛ لأنه شخص محتاج للعلاج لكنه يرفض وعنيد كثيرا.
أنتظر الرد بفارغ الصبر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عيالها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح لك زوجك، وأن يصرف عنه السوء، وأن يعافيه من كل بلاء، وأن يعينكم على تربية أبنائكم تربية طيبة تسعدون بها في الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه وكما لا يخفى عليك أن الحياة الدنيوية التي نحياها هي دار ابتلاء وامتحان واختبار، كل ذلك قال مولانا جل جلاله: (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ))[الأنبياء:35]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أحب الله عبدا ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
فهذه الابتلاءات سنة الله تبارك وتعالى في هذه الحياة، حتى نستطيع أن نفرق ما بينها وبين الآخرة، الدنيا دار التكيف ودار المحن ودار البلايا، كما قال تعالى: (( لقد خلقنا الإنسان في كبد ))[البلد:4].
فهذا الذي ذكرته في رسالتك من مشاكلك مع زوجك وظروفه الصحية، هذا نوع من الابتلاء والاختبار الذي قدر الله تبارك وتعالى أن يبتليك به، والابتلاءات - كما لا يخفى عليك – متعددة ومتنوعة، فقد يبتلى الإنسان في نفسه خاصة: إما بمرض نفسي أو عضوي، وقد يبتلى في الزوجة، وقد يبلى في ولده، وقد يبتلى في أخيه، وقد يبتلى في عمه، وقد يبتلى في أمه، وقد يبتلى في أبيه، وقد يبتلى أيضا في ماله، وزوجك رجل قد تعرض للبلاء النفسي، فهو الآن مريض – كما ذكرت – وخرج من المستشفى دون أن يستكمل علاجه، وهذه مشكلة أخرى، ومعنى ذلك أن الحالة ستستمر معه إلى فترة طويلة.
وبناء على ظروفه المرضية التي هو فيها يتصرف تصرفات غير معقولة ويمنعكم من أشياء غير مقبولة، ودائما يقول لك كلاما يقلل من همتك ويضعف من عزيمتك، ولا فائدة من الشكوى لأهله وأهلك؛ لأن الجميع يشعر بأنه لا حياة لمن تنادي.
فما الحل؟ الحل حقيقة وإن كان مرا وطويلا ولكنه أرى أنه أفضل الحلول، الحل يكمن في الآتي:
أولا: الصبر، والصبر حقيقة ليس موقفا سلبيا - أختي الكريمة الفاضلة – وإنما الصبر موقف إيجابي؛ لأن الصبر من أعظم العوامل التي تغير الواقع، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي بين ذلك؛ حيث قال: (واعلم أن النصر مع الصبر)، فمع الصبر ستحقق الأمور الطيبة والحياة المستقرة، وهذه الأمراض – كما تعلمين – شأنها شأن غيرها تأتي وتزول وبعضها قد لا ينتهي، ولكن الصبر أولا لأننا نحتاجه لأن الرحلة طويلة، خاصة وأن أطفالك ما زالوا صغارا قطعا، فحياتكم الزوجية بدأت من اثني عشر عاما، معنى ذلك أن أكبر أولادك عنده أحد عشر عاما أو عشر سنوات، ليسوا كبارا حتى يعتمد عليهم، وإنما ما زالوا صغارا يحتاجون إلى حضانة وعناية ورعاية.
فأقول: عليك بالصبر - بارك الله فيك – واصبري الصبر الجميل، وبإذن الله تعالى عما قريب سوف تنقشع هذه الغمة وتزول هذه الكآبة، ببركة الصبر أولا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)، إذن أوصيك ونفسي بذلك، فالله تبارك وتعالى أخبرك أنه يحب الصابرين، وقال: (( إن الله مع الصابرين ))[البقرة:153]، وقال: (( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ))[الزمر:10]، فالصبر شأنه عظيم، ولذلك قال لحبيبه محمد - عليه الصلاة والسلام -: (( فاصبر صبرا جميلا ))[المعارج:5].
إذن أوصيك ونفسي أولا بالصبر؛ لأنه أعظم علاج لهذه المشاكل الطويلة المدى، فالصبر مر ولكنه أهون من غيره إذا قارناه بالطلاق مثلا.
الأمر الثاني: أوصيك بالدعاء، فالدعاء - بارك الله فيك – من عوامل التغيير الكبرى، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، فاجتهدي في الدعاء لزوجك أن يشفيه الله، وجندي أولادك وجندي أهلك، وكل من تعرفين من الناس الطيبين خاصة اطلبي منهم الدعاء لزوجك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء) كما ذكرت، وقال أيضا: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء).
فكما تعلمين سيدنا أيوب – عليه السلام – كان مريضا لفترة طويلة، فلما دعا الله تعالى قال الله تعالى: (( فاستجبنا له ))[الأنبياء:84]، وسيدنا زكريا عليه السلام كان أكثر من مائة عام لم يرزق بولد، فلما دعا الله تعالى رزقه الله عز وجل بيحيى عليه السلام، وسيدنا إبراهيم عليه السلام، وسيدنا موسى عليه السلام، وسيدنا عيسى عليه السلام، وسيدنا نوح عليه السلام، وسيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم؛ كان أعظم سلاح يستعملونه إنما هو سلاح الدعاء.
فأنا أوصيك أيضا أن تكثري من الدعاء؛ مهما كان سوؤه، ومهما كان خطئه ومهما كانت تصرفاته، فإنك مطالبة بالدعاء حتى يغيره الله من هذا الحال، وكما ذكرت اطلبي من والدك أن يدعو له وأمك تدعو له، وأخوك يدعو له، وأمه تدعو له، وأبوه يدعو له، جندي كل من علمت من الناس وقولي لهم: (أسألكم الدعاء لزوجي أن يشفيه الله تعالى)، لعل واحدا من هؤلاء الله عز وجل يكرمه بدعوة فيغير الله حال زوجك.
ثالثا: حاولي واجتهدي قدر الاستطاعة أن يعود للعلاج مرة أخرى، فاطلبي وحاولي أن تستعيني بإخوانه في إعادته مرة أخرى للعلاج، حتى يتم الله تبارك وتعالى عليه الشفاء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تداووا عباد الله، فإن الله ما خلق داء إلا خلق له دواء).
فالحمد لله الآن الطب النفسي تقدم جدا، وأصبحت توصف وصفات طبية كالأمراض العضوية، كانوا قديما يتهمون النفسانيين بالمجانين، ولكن الآن الوضع اختلف وأصبح معظم الناس يذهبون إلى الأطباء النفسانيين لأخذ استشارات في تنظيم بعض أمور حياتهم، فأنا أوصيك أن تجتهدي في إقناعه بمحاولة العودة إلى العلاج مرة أخرى، فإذ لم يستطع ذلك فلا أقل من أن تذهبي مثلا إلى المستشفى وتطلبي علاجا له؛ لأن ملفه الطبي موجود عندهم، وليساعدك أحد إخوانك أو أحد أقاربك أو أحد إخوانه في جلب العلاج له، ويتناول العلاج وتجتهدي في ذلك، وأنا واثق بأنها سحابة صيف سوف تنقشع وتزول، وتعود المياه إلى مجاريها بإذن الله تعالى.
أسأل الله أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يصرف السوء عن زوجك، وأن يعينك على تربية أولادك وعلى النهوض بزوجك، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يجعلك من الصالحات، وأن يدخلك الجنة.
هذا وبالله التوفيق.