ما نصيحتكم للزوج الذي يضرب زوجته ويسيئ معاملتها؟

0 440

السؤال

السلام عليكم...

من أكثر من أسبوع بعثت لكم مشكلتي بخصوص زوجي الذي يضربني، وبعد وصول ردكم الكريم أطلب منكم إعطاء كلمة للزوج لعله يتقي الله في وفي ابنته، ولعله يفهم القوامة بالمعنى الصحيح، ولعله يعرف معنى الرجولة بالمعنى الصحيح، ولعله يتعظ قبل فوات الأوان والندم على ما فات.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم فاطمة الشاعر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يصرف عنك السوء، وأن يصلح لك زوجك، وأن يديم بينكما المودة والمحبة، وأن ينزل بينكم الرحمة والسكينة واللطف والعطف، وأن يجعلكما من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يعينكما على تربية ابنتكما ومن يأتي بعدها من الذرية الصالحة تربية صالحة طيبة.

وبخصوص ما ورد برسالتك من إعطاء كلمة لزوجك لعله أن يتقي الله تعالى فيك وفي ابنتك إلى غير ذلك؛ فإني أحب أن أقول لأخي الكريم، خاصة وأنه صاحب دين وخلق، وكلنا محتاج إلى النصيحة:

أعتقد أنه لا يخفى عليك أخي المبارك – أن الله تبارك وتعالى جل جلاله أمرنا بقوله سبحانه: (( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا))[النساء:19]، وقال في تعظيم حقهن: (( وأخذن منكم ميثاقا غليظا))[النساء:21]، وقال تعالى: (( والصاحب بالجنب ))[النساء:36] قيل: هي الزوجة.

واعلم – أخي الحبيب المبارك – أنه لايقتصر حسن الخلق معها بكف الأذى عنها فحسب، ليس من العشرة بالمعروف أن تكف الأذى عنها فحسب، وإنما كما ذكر العلماء: احتمال الأذى منها، أن تصبر على أذاها، (( وعاشروهن بالمعروف))[النساء:19]، لأنه لا يجوز لك شرعا أن تسيء معاملتها، لأن الله تبارك وتعالى سائلك عنها يوم القيامة، حيث قال صلى الله عليه وسلم : (فالرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته)، وقال جل جلاله: (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ))[التحريم:6].

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمره مولانا بقوله: (( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها))[طه:132]، فكان إذا جن الليل وأوشك أن يوتر عليه الصلاة والسلام أيقظ عائشة رضي الله تعالى عنها قال: (يا عائشة قومي فأوتري) وكان يقول: (أيقظوا صواحب الحجرات)، إلى غير ذلك من النصوص التي تدل على ضرورة الاهتمام بالمرأة ورعايتها في دينها وفي أخلاقها وفي صحتها وفي نفسها، إلى غير ذلك.

فالعشرة بالمعروف ليس - كما ذكر العلماء – أن تعاملها بالمعروف بمعنى أن تكف أذاك عنها وألا تضربها فحسب، وإنما قالوا: بل إنها تصل إلى احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها، يعني بمعنى إن كانت طائشة أو غضبى فينبغي عليك أيها الرجل المبارك الذي جعلك الله قواما عليها أن تكون حليما، كما كان حبيبك صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا كله إنما هو خلق نبيك المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام، حيث كانت أزواجه يراجعنه الكلام – يعني ترد عليه الكلام – وهو رسول الله المؤيد بالوحي والمؤيد بالعصمة، كن يراجعنه الكلام – أي يرددن عليه الكلام – ويناقشنه، بل إن بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم كانت تهجره يوما كاملا إلى الليل، ورغم ذلك لم يكن يتبرم صلوات ربي وسلامه عليه.

والنبي عليه الصلاة والسلام يدلك على هذا الأمر الذي ذكرته، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (إني لأعرف متى تكونين عني راضية ومتى تكونين علي غضبى. قالت: وكيف تعرفه؟ قال: إذا رضيت قلت: لا ورب محمد، وإذا غضبت قلت: لا ورب إبراهيم. فقالت رضي الله تعالى عنها: صدقت، إنما أهجر اسمك فقط يا رسول الله).

هذه - بارك الله فيك – هي أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام مع أزواجه، وكان يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).

ثم أين نحن - أخي الكريم الفاضل – من قول الحبيب المعصوم صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج).

ففي هذا الحديث إشارة إلى ملاطفة المرأة والإحسان إليها والصبر على ما فيها من أخلاق قد تكون غير مقبولة في العموم واحتمال ضعف عقلها، وأنه يكره لك أن تطلقها بلا سبب؛ لأن هذا هو هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

والنبي عليه الصلاة والسلام يبين لك أنه إذا كان في المرأة من عيب فلا ينبغي أن يكون هذا العيب سببا في هضم حسناتها، حيث قال: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر)، ولذلك ينبغي عليك أن تعلم أن حسن العشرة للمرأة تجعل الرجل يملك قلبها ويسكن في لبها وفؤادها وتضحي بحياتها من أجله.

أما سوء العشرة فإنما ينفر المرأة حتى وإن كان الرجل صالحا، حتى وإن كان من أتقى أهل الأرض، ولذلك أقول لأخي الكريم المبارك: اتق الله عز وجل في ابنتك، واتق الله عز وجل في زوجتك، واترك هذه التصرفات التي ما أنزل الله بها من سلطان، واعلم أنه لا يكرم المرأة إلا كريم، ولا يهين المرأة إلا لئيم، واعلم أنك غدا موقوف بين يدي الله، يسألك الله تبارك وتعالى عن إهانتك لامرأتك؛ لأنه يوم القيامة ستقوم هذه المرأة بين يدي الله وقد أخذت بعنقك لتقول: يا رب! انتقم لي ممن ظلمني، فتقول لها: وكيف ظلمتك وقد فعلت وفعلت؟ فتقول: يا رب سبني وضربني ولطمني وأهانني وعذبني بغير ذنب. فيقول الله تبارك وتعالى: عبدي ولم صنعت ذلك بها؟ ثم يبدأ القصاص بينك وبينها، فعلك – والعياذ بالله – أن تدخل النار بسببها، ولذلك كانت وصية النبي في آخر كلامه بالنساء والصلاة.

ثم - أخي الكريم الفاضل – اعلم أن في إسعاد امرأتك إسعادا لابنتك أيضا، فإن الأم السعيدة تستطيع أن تربي أبناءها سعداء، وأن تجعل بيتها كله سعادة، ولن تستطيع ذلك - بارك الله فيك – إلا إذا كنت أنت قد وفرت لها عوامل السعادة وعاملتها بالمعروف كما أمرك الله تبارك وتعالى.

والقوامة على المرأة ليس معناها الضرب والتنكيل والجلد والقرع، وإنما القوامة معناها -كما قال العلماء- قوامة تكليف لا تشريف، لما قال الله تعالى: (( الرجال قوامون على النساء))[النساء:34]، أي أنها مشقة لأنك مسئول عنها يوم القيامة، إنما هي قوامة قيادة وقوامة إنفاق وقوامة رعاية وقوامة ستر، وليست قوامة ضرب وإهانة وسب وشتم؛ لأنه لا يفعل ذلك حقيقة إلا السوقة، ومن لا خلاق لهم ولا دين.

محمد المصطفى نبي الله المجتبى لم يضرب امرأة أبدا قط، ولم يضرب أحدا من خلق الله تبارك وتعالى إلا أن يقاتل في سبيل الله، فلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.

والرجولة ليست معناها الضرب والإهانة، وإنما الرجولة معناها المسئولية، معناها الصبر واحتمال الأذى؛ لأن سيد الرجال محمدا صلى الله عليه وسلم كان يتحمل من نسائه ما لم يتحمله أحد من العالمين، ولعلك لو قرأت معي قصص حياة النبي في بيته صلى الله عليه وسلم لوجدت عجبا ووجدت أمرا غريبا، فأوصيك ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى، وأن تتقي الله في زوجتك، وأن تتقي الله في ابنتك، وأن تتقي الله في نفسك، واعلم أنك غدا موقوف بين يدي الله ليس معك من جاه ولا سلطان، وستأخذ هذه المرأة حظها منك كاملا غير منقوص؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما ))[طه:111].

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات