السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع، وهذه الخدمات الطيبة، وتقبل الله منكم.
أولا: كنت أعاني دائما من شدة الشهوة التي أجدها في نفسي، رغم أنني ولله الحمد ملتزم منذ بلوغي، ووجدت أن أفضل الطرق هي الطاعة.
لكن مشكلتي هي إعجاب الفتيات بي، وهذه المشكلة لها جانبان، الجانب الأول هو: إعجاب الفتيات بي إلى حد ما، وغالبا من الفتيات اللاتي يعرفنني، أي: معي في الدراسة أو من نفس القرية التي أنا منها، وذلك ليس لحسن المظهر فقط، لكن قد يكون لحسن شخصيتي ومؤهلي العلمي. لا أقول ذلك مدحا في نفسي، ولكنه واقع أعيشه. فيجعلهن هذا الإعجاب كثيرات النظر إلي، ويحدث ذلك خللا عندي في الطاعة.
أما الجانب الآخر: أحيانا وليس دائما ما يراودني هذا الأمر في نفسي، فإذا كنت في وسيلة المواصلات مثلا وركبت معي إحدى الفتيات، يراودني في نفسي أني أريدها أن تعجب بي، أي: أني أعاني من خصلة سيئة في نفسي أحيانا، وهي الإعجاب.
أرجو الإفادة لكيفية التخلص من هذا الداء. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يرزقك التواضع له جل جلاله، وأن يرزقك الرحمة بعباده، وألا يجعلك فتنة للذين آمنوا، وأن يعيننا وإياك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد في رسالتك أخي الكريم الفاضل! فإن الذي تعاني منه إنما هو عادة سمة هذه المرحلة، فهذه المرحلة بدءا من البلوغ إلى أن يتزوج الرجل هي مرحلة تغير في النفس وتغير في البدن، حيث إن الجسد يتشكل تشكيلا جديدا، وتنشأ هناك رغبات لم تكن موجودة من قبل، وعلى رأسها شدة الشهوة الجنسية، حيث إن هذه المرحلة من العمر هي أخطر مرحلة يمر بها الإنسان في حياته، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، منهم: (وشاب نشأ في طاعة الله أو في عبادة الله). وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: (عجب ربك من شاب ليست له صبوة)، أي: ليست له نزوات، وليست له هفوات كغيره من الخلق.
إذن: نظرا لخطورة هذه المرحلة فإن النبي عليه الصلاة والسلام بشر الشاب العفيف النقي التقي الحريص على طاعة الله بأنه يظل في ظل عرش الله تبارك وتعالى يوم لا ظل إلا ظله. وأسأل الله أن يجعلك منهم.
ابني الكريم أحمد! بخصوص معاناتك من شدة الشهوة التي تجدها في نفسك: فكما ذكرت هي سمة هذه المرحلة التي تمر بها؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام وضع لها العلاج الناجع القاطع، فقال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). وقطعا بما أنك طالب قد يكون من المتعذر عليك أن تتزوج الآن، ولذلك أكرمك الله تبارك وتعالى وبين لك أن أفضل طريق هي الطاعة، (( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله ))[النور:33]. ونسأل الله تعالى أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أما عن مشكلة إعجاب الفتيات بك: فهذا ابتلاء، فقد قدر الله تبارك وتعالى أن يجعلك فتنة لغيرك، ونسأل الله يغفر لك، وأن يتوب عليك، وقطعا أنت ابتليت بهذا الأمر، وأصبحت تستريح له، وإن كنت في الواقع قد تقول: أنا لا أريده، ولكن أنت الآن أصبحت تستريح لإعجاب الفتيات بك، وتستريح أيضا لهذه المعصية، فإن نظر البنات إليك يترتب عليه أولا: معصية بالنسبة لهن، وهو النظر إلى ما حرم الله تعالى، حيث إن الفتاة أو المرأة أمرت بغض البصر كما أمر الرجل تماما بتمام، قال تعالى: (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ))[النور:30-31].
ثانيا: الغرور الذي يدخل في نفسك أنت، ومرض القلب أعظم من مرض البدن، فإن النظرة لو أن العبد استغفر الله منها لغفر الله له، وأما مشكلة إعجاب وغرور القلب بهذه المعصية فهذا مرض قلبي، وأمراض القلوب أخطر من أمراض الجوارح، ولذلك إذا كن هن قد ابتلين بك في النظر فأنت ابتليت بالإعجاب في داخل نفسك، وأصبحت ترى نفسك كأنك كنت نجما أو علما من الأعلام الكبار أو شخصية لامعة، وأن الناس في الجامعة ينظرون إليك، واهتممت بهذه الناحية حتى أصبحت مرضا في قلبك. والدليل على ذلك أنك إذا ركبت وسيلة مواصلات ولم تعجب بك مثلا إحدى الفتيات اللاتي يركبن معك في المواصلات فإنك تشعر بأنك تعاني كأنك عندك نقصا، لأنك استمرأت هذه المعصية، وألفت هذه المعصية، واسترحت لها، وهذا أمر يحتاج منك إلى علاج.
وعلاجه بارك الله فيك أولا: أن تنظر في حقيقة نفسك من أنت؟ ومن أي شيء جئت؟ ألست من نطفة قذرة، وتحمل في جوفك العذرة، وعندما تموت تتحول إلى جيفة مذرة؟ هذا أصلك أخي! وهذا أصلي وأصل البشر جميعا. إذن: لماذا الكبر؟ ولماذا الإعجاب؟ حتى وإن أعطيت شيئا أسألك سؤالا: هل أنت الذي صورت نفسك؟ هل أنت الذي اخترت الصورة التي أنت عليها؟ إذن: لماذا تتباهى بشيء أنت لم تصنع فيه شيئا؟ بل تتباهى بطاعتك، وتتباهى بعباداتك، وتتباهى مثلا بإنجازاتك العلمية، وتتباهى بأخلاقك التي أكرمك الله بها، أما الجمال هذا فكما تعلم ليس لك فيه شيء؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: (( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ))[آل عمران:6]. وقال: (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك ))[الانفطار:6-8] فتركيزك على هذا الجانب أدى بك إلى العجب، والعجب هذا يؤدي بك إلى النار والعياذ بالله.
ولذلك بارك الله فيك ينبغي عليك ألا تفكر في هذا الأمر مطلقا، ولا تلتفت لأي من الفتيات التي تنظر أو التي لا تنظر؛ لأنك لن تستطيع أن تسلم من هذا الداء إلا إذا سلمت منه قلبيا أولا بعدم الالتفات للفتيات، وعدم إلقاء النظر لمن ينظر إليك منهن، وعدم الاهتمام، والإكثار من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الشيطان ينفخ فيك، ويقول لك: انظر يا أحمد! كل فتيات القرية ينظرن إليك، انظر يا أحمد كل فتيات الجامعة زميلاتك ينظرن إليك، أنت محل أنظار الكبير والصغير، ومحل أنظار هذه وتلك. ويظل ينفخ فيك وتنتفخ حتى تكون كالبالون، حتى تنفجر فتدخل قعر جهنم والعياذ بالله عز وجل.
ولذلك أقول: أول شيء ينبغي أن تعلم: أنه لا ينبغي لك أن تعجب بشيء أنت لم تفعله. فهذه الصورة صورة صورك الله عليها، وأنت لا دخل لك فيها، والأولى بك أن تعجب بشيء أنت فعلته، وأنت لم تفعل هذا، فإذن لا داعي للعجب بهذه الناحية.
الأمر الثاني: أن تنظر لأصلك الذي أنت منه، وأنك عما قريب ستلقى الله تعالى وتتحول إلى تراب، ولعل الناس أن يطؤوه بالأقدام. إذن: هذا ليس له محل.
الأمر الثالث: أن تعلم أن هذا العجب يؤدي بك إلى النار؛ لأنه يؤدي بك إلى الكبر، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). وبالله عليك أتريد أن تحرم من الجنة ولدي أحمد؟! أعتقد أنك لا ترغب في ذلك. ولذلك أقول بارك الله فيك:
ينبغي عليك أن تعلم أن هذا إنما هو من الشيطان الرجيم، وتنظر إلى عقاب الله تعالى، فكلما تذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بقوله: (يحشر الجبارون والمتكبرون كأمثال الذر يطأهم الناس بأقدامهم يوم القيامة). فكل معجب وكل متكبر وكل مغرور سيكون كالذرة التي يطأها الناس بأقدامهم في الدنيا، وسيكونون كذلك يوم القيام، وأنت لا تريد ذلك، ولذلك ينبغي عليك أن تكسر هذا الأمر، فكلما جاءك الإعجاب قل: لا تعجبي يا نفسي! فإنك أحقر ما يمكن، وعلى أي شيء تعجبين؟ وبأي شيء تعجبين؟ وهل أنت صنعت شيئا؟ هل أنت من الراكعات الساجدات العابدات القانتات كأمثال الصحابة والتابعين؟ هل أنت من المتميزين على مستوى الدنيا أو على مستوى الجامعة؟ كأنك أفضل طالب مثلا، فأنت لست بشيء حتى أغتر. وقل لها: يا نفسي! غري غيري، أنا لا أستطيع أبدا أن أجاريك؛ لأن هذا الكلام يؤدي بي إلى النار، وثانيا على ذلك: أنا مما تعلمين من نطفة قذرة، وإلى ما تعلمين إلى جيفة مذرة، فلماذا الكبر إذن ولماذا العجب إذن؟
ولذلك أخي الكريم الفاضل! رجاء غض بصرك تماما عن نظر النساء إليك، ولا تلتفت ولا تنظر لأحد، ولا تعبأ بأحد أبدا؛ حتى تنجو من هذا الأمر. وكما ذكرت ذكر نفسك بأن الكبر يؤدي إلى النار، وأنك لا تتحمل والله لحظة واحدة أن تقف فقط أمام النار، وأنت تسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخبرك: (لو أن الله تبارك وتعالى كشف لنا الحجب عن رجل يعذب من أهل النار وسمعنا صياحه لمات أهل الأرض جميعا). فما بالك أنت؟ وقوله: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). ولذلك انتبه لنفسك، وكلما ما راودتك بهذا الكلام استعذ بالله، واتفل عن يسارك ثلاثا وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وقل: اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي. وهذه وصية النبي عليه الصلاة والسلام إليك. وتكثر من الاستغفار ما استطعت إلى ذلك سبيلا، حتى تقضي على هذه الظاهرة بإذن الله تعالى، وتحاول أن تعمل أعمال المتواضعين، بمعنى: لو استطعت أنك تغسل دورة مياه في مسجد، ولو أنك تمشي في الطريق ووجدت حجرا أو زجاجة أو قطعة خبز أو قشرة موز تحملها وتضعها بجوار الجدران أو على جانب الطريق حتى تنكسر عندك هذه النفس، فلابد أن تكسر هذه النفس بارك الله فيك، ولن يكون ذلك إلا بهذا الأمر، بل هذا الأمر شرف لك؛ لأنه طاعة وعبادة.
فأمام أي فتاة وأمام أي أحد كلما وجدت شيئا على الأرض حاول أن تحمله من مكانه وضعه في مكان آخر حتى تنكسر عندك نفسك، فإذا قالت لك: عيب، أنت النجم، وأنت القمر، وأنت الهلال، فقل لها: أنا أحقر خلق الله تعالى. ودائما قل لنفسك: يا نفسي! أنا حقير لا قيمة لي إلا بالطاعة.
واكبت جماح نفسك، واقبض عليها بقوة بارك الله فيك؛ حتى لا تفلت منك؛ لأنه كما قال الشاعر:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وحاول أن تشرف نفسك هذه بشيء من العبادات كصيام النهار وقيام الليل، ولو ركعتين في جوف الليل أو أربع ركعات أو ست ركعات؛ حتى تنكسر عندها هذه الشهوة، والصيام يذلها، واجتهد أيضا إذا من الله عليك بصيام الاثنين والخميس أو صيام يوم وفطر يوم كصيام داود عليه السلام؛ حتى تعلمها الأدب، والتذلل بين يدي الله؛ حتى تنجو من عذاب الله تعالى.
وأسأل الله أن يثبتك على الحق، وأن يغفر لنا ولك، وأن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وكم أتمنى أن تنظر في سير الصالحين، حتى تعرف نفسك بجوار هؤلاء، هل أنت قزم أم أنك هرم؟ أم أنك جبل أم أنك هضبة من هضاب الطاعة والعبادة؟
وفقنا الله وإياك لكل خير.
والله ولي التوفيق.