حسن النية مع إساءة واستغلال الآخرين لذلك

1 1012

السؤال

مشكلتي تبدأ من عائلتي ثم من صديقاتي، ألا وهي حسن النية والطيبة الزائدة التي ورثتها عن أمي وأبي، فهناك الكثير من عائلتنا من جهة أهل أمي وأهل أبي يستغلوننا بشكل مبالغ فيه، صحيح أننا نملك المال ولله الحمد، لكنهم يبالغون أحيانا في طلباتهم، وخصوصا أن أغلب الطلبات كمالية، وهذا الشيء يضر بي وبأخواتي اللاتي يصغرنني، حيث أننا نحرم من أشياء مقابل مساعدة غيرنا، ولو نظرت لهذه الأشياء لوجدتها كمالية ليس لها أهمية.

والمشكلة الأخرى هي صديقاتي وزميلاتي، يستغللن طيبتي كثيرا، حتى إنهن لا يعرن لمشاعري أي أهمية، حتى إن إحدى الزميلات تكرهني جدا، وتحاول أن تزرع بيني وبين صديقاتي العداوة، وتفسر ردود أفعالي في بعض الأحيان بالحسد، مع أني والله العظيم لا أحسدهن ولا أغار منهن، بل أتمنى لهن الخير، وأن الأرزاق بيد الله، فلماذا تغار مني لهذه الدرجة وتسعى لإيذائي؟ برغم أن زمالتي لها نحو سنتين ونصف، وأكثر شيء يغيظها عندما أتفوق عليها بدرجات أو يلجأن البنات إلي عندما يردن المساعدة.

بماذا تنصحونني أن أفعل مع من حولي خصوصا أنهم ينافقونني، ولا يظهرن لي ما في قلوبهن، وأكتشف ذلك لاحقا من ردود أفعالهن؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ عاشقة الجنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات موقع إسلام وب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يكثر من أمثالك، وأن يجعلكم أصحاب قلوب صافية ونية حسنة طيبة، وأن يوسع أرزاقكم حتى تعطوا القريب والبعيد والقاصي والداني، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة- فأنا حقيقة لا أعتبر أن ما أنت فيه مشكلة، بل أعتبره نعمة من نعم الله تعالى: حسن النية والطيبة نعمتان نعم من نعم الله عز وجل الكبرى، فإن الإنسان المسلم حسن النية هو الذي لا يحمل حقدا ولا حسدا تجاه أحد من الخلق، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: (خير الناس صاحب القلب المحموم واللسان الصادق. قالوا: وما القلب المحموم يا رسول الله؟ قال: التقي النقي الذي لا يحمل بغيا ولا حسدا ولا حقدا على أحد).

إذن: هذا من خير الناس، فأنا أرى أن حسن النية والطيبة الزائدة كما تقولين أنت - إنما هما نعمتان من نعم الله سبحانه وتعالى، ولكن أين تكون المشكلة؟ المشكلة أن تستغل هذه الطيبة لإلحاق الضرر بنا شخصيا، ولذلك نحن مطالبون مع حسن النية وعدم سوء الظن بالناس، والطيبة والمعاملة بالمعروف، والأخلاق العالية أيضا إذا ما طلب منا طلب نشعر أنه ليس واقعيا أن نعتذر بلطف إلى من يطلبون منا هذا الطلب، وطبعا هذا لا يتعارض مع الدين، بل هو أصل الدين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)، والله تبارك وتعالى يقول: ((ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما))[النساء:5].

إذن: -بارك الله فيك- نعمة المال نعمة عظيمة، ووجوده في يد المسلمين نعمة، وحرمانهم منه نقمة؛ لأن العبد إذا كان محتاجا لشيء ولم يجد ما يشتريه به فإنه سيعيش في ضنك ويعيش في ظرف صعب وأزمة نفسية كبيرة، ولذلك أكرمكم الله تبارك وتعالى بهذا المال حتى تحسنوا استغلاله وتحسنوا توظيفه وتنفعوا به عباد الله تعالى، مادامت لديكم القدرة على نفع الفقراء والمساكين والمحتاجين فإنكم لا تتوقفون عن ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة).

فالذي تخرجونه إكراما للأهل والأقارب فإنما سيرجع عليكم أضعافا مضاعفة؛ لأن الاستثمار مع الله تبارك وتعالى أعظم الاستثمارات ردا ونفعا وفائدة لأصحابها، أما لو وجدنا من هؤلاء الذين يسألون نوعا من الانتهازية أو نوعا من الاستغلال، ونوعا من الرغبة في تجميع ما يمكن تجميعه بصرف النظر عن حاجة أو عدمها، فلابد أن نستعمل العقل في تلك الحالة وأن نقف لهم بهدوء أو نعطيهم شيئا قليلا بسيطا إذا طلبوا مائة أعطيناهم ثلاثة، أعطيناهم أربعة، ثلاثين، عشرين، وإذا طلبوا عشرة أعطيناهم... -فهكذا- يعني نعطيهم شيئا بسيطا حتى لا نردهم، وفي نفس الوقت أيضا لا يستلمون الأموال لينفقونها في غير وجه حق أو في أمور كمالية ليست لها أهمية.

فأنا أقول -بارك الله فيك- ما أنتم فيه أولا: من حسن النية والطيبة فهذا ليس عيبا، وإنما دائما حسن النية هو الكريم، حسن النية هو صاحب القلب الكبير، صاحب الطيبة إنما هو صاحب القلب المعطاء، فربنا أكرمكم وجعل عندكم فيوضا من الرحمة والحنان والرفق والعطف على الناس، فهذه رحمة من الله تعالى، وليست حقيقة مشكلة، ولكن تبقى القضية أين؟ -كما ذكرت-: إذا جاء أحد يطلب مساعدة فإننا نعطيه على قدر، لا نعطيه ما يكتبه كله، وفي نفس الوقت أيضا نتأكد من حاجته لهذا المال، فإن كان محتاجا فعلا ونحن لدينا القدرة على أن نساعده فيجب علينا أن نساعده، أما إن شعرنا بأن المسألة مسألة استغلال - كما ذكرت لك - أو استنزاف أو مسألة حرص على التجميع، ففي هذه الحالة نعطيه القليل، ونعتذر له على أننا كنا نتمنى أن نعطيه ولكننا لا نستطيع.

فيما يتعلق بصديقاتك وزميلاتك أيضا نفس الشيء، فإنها نفس الفكرة -بارك الله فيك-، أيضا الطيبة التي توجد في الصدر هذه ليست عيبا، وإنما العيب البلاهة والبلادة، هذا هو العيب، أما إنسانة تملك قلبا طيبا وتتعامل مع الناس بالمعروف، ولا تسيء الظن بأحد وتحسن معاملة الناس، هذه نعم عظيمة، نسأل الله عز وجل أن يتمها عليك -بارك الله فيك-.
الإنسانة التي تحب الخير للناس وتتمنى الخير للناس فإنها إنسانة عظيمة، وكون أن هؤلاء يستغلون الطيبة ولا يعرنك أي اهتمام، فلا تلقي بالا لهذا الكلام ولا تلتفتي له، ولا تنظري إليه ولا تعبئي به - بارك الله فيك - ما دمت أنك لا تحملين في نفسك لا حقدا ولا حسدا ولا غلا لأحد فأنت على خير، إن عاملك أحد بالمعروف فبادريه المعروف بالمعروف وبادريه الإحسان بالإحسان، ولا تقولي إن نيته كذا أو يقصد كذا؛ لأن الحكم على النية هذا هو لله سبحانه وتعالى جل جلاله، وليس لي ولا لك ولا لأحد من الخلق، وإنما لنا ما ظهر، فإن أظهروا لك حبا وتقديرا واحتراما فتعاملينهم بنفس القصد، وإن وجدت منهم إساءة فتجنبيهم ولو لأدنى حدود الهجر، حتى لا تكونين قد هجرتهم هجرا كاملا.

هذه الأخت التي تغار منك فهذا طبيعي -أختي الكريمة- كما قالوا: (كل ذي نعمة محسود)، أي إنسان عنده نعمة سواء كان حسن النية وحسن الأخلاق أو كثرة المال أو التوفيق في الدراسة أو التوفيق في العمل، فإنه لابد له من حاسد يحسده وحاقد يحقد عليه.
فهذه الأخت تغار منك لأن الله تبارك وتعالى أكرمك وفتح عليك وأعطاك المال، وأعطاك التوفيق الدراسي وأعطاك نوعا من التميز العلمي، فقطعا هذه الأخت ظروفها النفسية صعبة لم تتحمل هذا الإكرام من الله تبارك وتعالى لك فبدأت تغار منك، وهذا أمر، أنت لا دخل لك فيه.

المهم حسن معاملة الناس والصبر على أذى الناس، وعدم الدخول في شيء لا يعنيك أساسا، ومن أعرض عنك تجنبيه، ولا تلقي له اعتبارا حتى يأتي، ولكن إن مررت بها ألقيت عليها السلام، وإن طلبت منك مساعدة فنساعدها، ولكن المهم أنك تشعريها بأنك تستطيعين أن تواصلي الرحلة من دونها، حتى لا تشعر بأنها مهتمة وأن مفاتيح الجنة بيدها، وأنك لن تدخلي إلى عالم الحياة إلا من خلالها، هذا نوع حقيقة من الاستخفاف بالناس، ولا ينبغي أبدا ولا يجوز، ولذلك نحن لا نقر هذا بحال من الأحوال.

إذن أقول: حسن النية والطيبة التي أكرمك الله بها كما ستنفعك في التعامل مع الأقارب والأرحام أيضا، سوف تنفعك مع زميلاتك - بإذن الله تعالى - لأنك مادمت لا تخطئين في حق أحد، ولا تتدخلين في خصوصيات أحد ولا تعتدين على خصوصيات أحد ولا تجرحين أحدا ولا تسيئين لأحد، فأنت إنسانة عظيمة، طيبة القلب هذه نعمة عظيمة - أختي الكريمة - ليست مشكلة أو ليست تعاسة كما تقولين -هي سبب تعاستي-، بل إنها والله سبب راحة، لأنك على الأقل عندما تأتين إلى بيتك، وتضعين رأسك على الوسادة تشعرين أنك ما أسأت إلى أحد ولا سببت إزعاجا لأحد، فتحمدين الله تبارك وتعالى وتنامين عميقا ملء جفنيك.
لأنك لم تعتدي على أحد، بل كل من اعتدى عليك أو أساء إليك قولي: (اللهم إني قد عفوت عن كل من أساء إلي من المسلمين والمسلمات فاعف عنهم واغفر لهم)، وأنت بذلك ستكونين - إن شاء الله تعالى - أفضل منهم بمراحل في دينك ودنياك - بإذن الله تعالى - .
فرجائي أخيرا: لا تشغلي بالك بهذه السلبيات وكوني على ما أنت عليه، ولكن الحذر الحذر، يعني مع شيء من الانتباه واليقظة، حتى لا يستخف بك أحد ولا يستغلك أحد، طلبت أختك مساعدة معينة تدرسين الأمر دراسة متأنية، إذا اقتنعت به ساعدتها، وإذا لم تقتنعي فاعتذري لها، وهذا لا يتنافى أبدا مع حسن النية والطيبة الزائدة؛ لأن الطيبة الزائدة ليس معناها السبهللة، وليس معناها الفوضى وليس معناها الجنون أو العته أو السفه، وإنما معناها سلامة الصدر ومعناها عدم حمل حقد أو غل أو حسد على أحد من عباد الله.
أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن يجعلك دائما من سعداء الدنيا والآخرة.

هذا وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات