السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري 24 عاما، ذهبت وحدي إلى بلد أوروبي منذ ست سنوات للدراسة في أبرز المدارس العليا في الهندسة، وأعاني من عدة مشاكل نفسية قد تكون مترابطة ملخصها فيما يلي:
طبعي خجول وأخشى أن أتكلم بحضور الناس، وأشعر أنهم يترقبون ما أقوله، وأتلعثم عند التكلم ولا أحسن الكلام، ولا أحسن تركيب الجمل لأنني أتكلم بسرعة حتى أنهي الكلام في أسرع وقت، فلا أحسن مخارج الحروف، ولا أستطيع التكلم بصوت مرتفع، وأتفادى مخالطة المجتمع فأبقى منعزلا في بيتي، وليس لدي أصدقاء حقيقيون.
وأعاني من كثرة السرحان وأحلام اليقظة، حتى أنني أتلفظ ببعض الكلمات بصوت مرتفع، وقد يرى من ملامحي أثر ما أفكر فيه، فتارة أضحك إذا كان مضحكا، وتارة يكون وجهي عبوسا، وتارة أتخيل قصصا أكون فيها بطلا، وعندما أمشي في الشارع وأسمع صراخ شخص أظن في الوهلة الأولى أني الشخص المقصود، وأعتقد أني ضعيف الشخصية، وقدرتي على التركيز في الدراسة ضعيفة، وعندما أتحدث مع شخص يبدأ السرحان وأفكر في أشياء لا علاقة لها مع موضوع حديثنا، ولا أستطيع تتبع ما يقوله.
وعندما أرى شخصا لا أعرفه أعتقد أنه أحسن مني وأشرع في مقارنتي به، وأرتبك عندما أتحدث مع الفتيات خاصة مع أنني حسن الخلقة، ولطالما راودتني فتيات فأمتنع؛ لأن ذلك مضاد لشرع الله، بالإضافة إلى أنني أرتبك برفقة البنات، ولا أستطيع أن أنظر في عين المتحدث معي، وطالما أخفض البصر حتى أمام طفل.
علما بأني عندما أكون في سباق علمي وأنني سوف أتكلم أمام الجميع (في حصة دراسة مثلا أو عرض موضوع أمام الجميع) أستعد نفسيا لهذا وأتعوذ بالله من الخجل والجبن، وأقوم بهذا العمل بتوفيق، غير أنني أود أن أقوم بهذا العمل طبيعيا ودون سابق استعداد نفسي، فاعرضوا علي حلولا لهذه المشاكل حتى أتخلص منها نهائيا، فأنا مستعد نفسيا لكي أغير نفسي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنك تعاني من قلق نفسي، وقد تشعب عن هذا القلق ما يعرف بالمخاوف أو الرهاب الاجتماعي، وهو الذي جعلك تحس بعدم الثقة في نفسك، ولا تقدر بصورة صحيحة أو تحقر من قدراتك الشخصية، وتعالج مثل هذه الحالات بتصحيح المفاهيم عن الذات.
فما تتصوره من تلعثم في الكلام، وأن لديك صعوبة في مخارج الحروف وما يتبعها من أنك مراقب أو مرصود من جانب الآخرين، هذه المشاعر ليست صحيحة، وذلك حسب الأبحاث العلمية المعتبرة والموثقة، فقد اتضح أن أصحاب القلق الاجتماعي - والقلق بصفة عامة - يبالغون دائما في الطريقة التي يتلقون فيها أحاسيسهم حيال أنفسهم، فهذا يجب أن يكون مطمئنا بالنسبة لك.
وأنت مطالب بإعادة تقييم ذاتك، فما وصفته من ضعف في الشخصية واهتزاز ثقتك في نفسك راجع لأنك تركز على العوامل أو الجوانب السلبية التي تراها في نفسك من منظورك الشخصي، دون أن تحقق أو تدقق في الجوانب الإيجابية في شخصك، فهناك منهج يسمى بمنهج التعامل مع الذات وإعادة تغيير الذات، فأرجو أن تنظر في الجوانب الإيجابية في شخصيتك، فحين تقول إنك لا تستطيع التكلم بصوت مرتفع، ليس هناك شيء يمنعك من ذلك، فأنت لديك لسان ولديك العضلات الكلامية ولديك الأعصاب، فلماذا لا تتكلم بصوت مرتفع، هو مجرد شعور سلبي سيطر عليك دون أن تحاول مقاومته، فأرجو أن تحاول مقاومة هذا الشعور، وقم بالتكلم بصوت مرتفع، بل استعن بجهاز التسجيل وسجل صوتك واستمع لنفسك مرة أخرى وسوف تجد أن صوتك جيد ومرتفع.
وأما كونك تتفادى مخالطة المجتمع فلماذا تفعل ذلك والإنسان هو كيان اجتماعي في الأصل، فابدأ بالتواصل مع أهلك وأرحامك واعرف أن في ذلك منفعة وأجر كبير وترويح عن النفس، وتواصل مع الخيرين والطيبين في المساجد وفي حلقات الدروس وزملائك في الدراسة، فلا شيء يمنعك أبدا من تكوين صداقات وتوسيع شبكتك الاجتماعية، وأعتقد أنك استسلمت بعض الشيء لهذا التقييم السلبي الذي فرضته على نفسك.
وأما عدم التركيز في الدراسة فإنه يرجع لسببين هما: سوء إدارة الوقت ووجود القلق، وحسن إدارة الوقت من الأشياء المطلوبة، والإنسان لابد أن يكون جيدا في إدارة وقته، فعليك أن تقوم بوضع خارطة زمنية يومية لتقسيم الزمن والتزم بذلك، فخصص وقتا للراحة ووقتا للدراسة، ووقتا للرياضة، ووقتا للعبادة، ووقتا للتواصل الاجتماعي، والإنسان الذي يدير وقته بصورة ممتازة يستطيع أن ينجز وأن يحس بقيمة ذاته، ويشعر أنه لديه إيجابيات وطاقات نفسية إيجابية لم يكن يستشعرها ولم يكن يقيمها.
كما أن سوء التركيز يتم علاجه أيضا بممارسة الرياضة؛ لأن الرياضة تقضي على الطاقات النفسية السلبية، وتؤدي إلى إفراز مركبات كيميائية تنشط من الطاقات النفسية والجسدية للإنسان، مما يتأتى منه حسن الذاكرة والتركيز ويتوقف تشتت الأفكار.
وأما ارتباكك حين تتحدث مع الفتيات، فالحمد لله أنك ملتزم بنطاق الشرع في هذا السياق، ولكن إذا تطلب الأمر الكلام مع فتاة في حدود ما هو مشروع فليس هناك ما يجعلك تحس بالارتباك أو تحس بأنك غير واثق من نفسك، فإذن أنت مطالب بتغيير المفاهيم.
وسيكون أيضا من المفيد لك أن تنضم إلى أحد الجمعيات التطوعية؛ لأن العمل التطوعي مفيد – أيا كان نوعه –، وتوجد جمعيات إسلامية يمكنك من خلالها أن تتحرك في أعمال الخير وأعمال البر والأعمال التطوعية؛ لأن العمل التطوعي يقوي من شخصية الإنسان ويجعل له مكافأة ذاتية داخلية تجعله يحس بقيمة نفسه ونفعه للآخرين، كما أنها تحسن من مهاراته وتواصله الاجتماعي.
وحين تشعر بالمخاوف والرهبة في مقابلة الآخرين فلابد أن تصر على أن تعرض نفسك لهذه المواقف وتمنع الاستجابة السلبية، والتي نعني بها ألا تتجنب مطلقا، ويمكنك أن تقوم ببعض التمارين السلوكية في الخيال، فتصور أنك أمام جمع كبير من الناس وقد طلب منك تقديم عرض معين أو عمل معين أمام الآخرين، فعش هذه الخيالات بكل ثقة وبكل قوة، أو تصور أنك تصلي بالناس في المسجد، عش هذا الخيال أيضا بكل قوة وبكل تمعن وسوف تجد أنه - إن شاء الله تعالى - قد أفادك كثيرا، ولكن لابد أن تصطحب ذلك بالتطبيق العملي.
وحاول أن ترفع من قدراتك ومهاراتك الثقافية والمعرفية، فالمهارة الثقافية والمعرفية حين ترتفع عن طريق الاطلاع والتزود بالمعلومات المفيدة تجعل الإنسان قادرا على محاورة الآخرين ويستطيع أن يميز نفسه وأن يكون له حضوره ووجوده، وهذا يؤدي إلى نوع من المكافأة الذاتية.
وسيكون من الجيد أن تتناول أحد الأدوية البسيطة المضادة للخوف والمضادة للتوترات والقلق والمحسنة للمزاج، والعقار الذي سوف أصفه لك يعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة) ليلا بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم ترفع الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراما) ليلا وتستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله.
هذا الدواء من الأدوية السليمة والفعالة، والجرعة التي وصفناها لك تعتبر من الجرعات الصغيرة نسبيا، حيث إن هذا الدواء يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، ولكنك لست بحاجة إن شاء الله لذلك، فأرجو أن تطبق الإرشادات التي ذكرتها لك، وأن تتناول الدواء حسب ما وصفته، وأن تكون ملتزما بذلك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك كثيرا على تواصلك مع الشبكة الإسلامية وثقتك فيما تقدمه.
وبالله التوفيق.