السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخوتي في الله .. كنت عاصية لله وأكرمني بتوبة نصوح (والله أعلم)، قبل هذه التوبة كنت قد تزوجت وبعد 3 أشهر الآن من الزواج أعاني من سوء المعاملة من زوجي وأنا حامل في أقل من شهرين تقريبا، وبدأت أنفر من هذا الزوج العاصي الذي لا يتوانى عن ضربي وشتم أهلي وشتمي، وكان يريد مني أن أجهض، وضربني لكي أجهض غصبا عني، ومرت علي ليال وأنا في الضرب والإهانة، ورغم ذلك رفضت، ولكني الآن أفكر في أن أتركه لأنه إلى جانب ذلك لا يتوانى عن الخيانة وارتكاب المعاصي ومبارزة الله بها، ولا أعلم ما إذا كان علي من شيء إن أجهضت وسافرت إلى بلدي، فأنا لم أعد أطمئن إلى هذا الزوج، وبدأت أخاف على نفسي منه لما سمعته من عدة أخوات مسلمات على قنوات كن يشكين من سوء المعاملة والإهانة بعد سنوات من الزواج من أزواج عصاة لله.
إني أنصح زوجي وأدعو له رغم نفوري لكني خائفة جدا أن يستمر عذابي هذا، ويكون لي أطفال منه يشبون في ظل زواج غير سعيد، ويتربون في غير مرضاة الله، فهل من نصيحة يا إخواني وأحبتي في الله؟
أشكركم الشكر الجزيل، وبارك الله لكم فيما تقدمونه، وجعله في ميزان حسناتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تائبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يصلح لك زوجك، وأن يبارك لك في حملك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.
بخصوص ما ورد برسالتك من أنك كنت عاصية لله وأكرمك الله بالتوبة النصوح، فهذه نعمة عظيمة، نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منك هذه التوبة وأن يديم عليك نعمة الطاعة والاستقامة، وأن يجعلك ممن قال فيهم: (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ))[البقرة:222].
أما عن زواجك من هذا الأخ العاصي الذي يسيء معاملتك، فهذه مصيبة أخرى، ولكن الله تبارك وتعالى لن يتركك ويتخلى عنك، خاصة وأنك قد تبت هذه التوبة المباركة الطيبة، والمسألة فيما أتصور مسألة وقت؛ لأن المرأة قد تتزوج من رجل لا تعرفه ولا تعرف عن أخلاقه شيئا، ولكنها تفاجأ بأن أخلاقه صعبة خاصة في الأيام الأولى، ولعل هذه المسائل الشتم والضرب وغيره كان بسبب الحمل، لعله كان لا يريد أن تحملي، ولكن شاء الله تعالى أن يثبت الحمل إلى الآن – كما فهمت من رسالتك – وكونه على قدر من المعاصي والخيانات وغير ذلك من مبارزة الله عز وجل بالمعاصي، فأنا أتمنى ألا تيأسي من دعوته ومن دعائه وتذكيره بالله عز وجل - سبحانه وتعالى – حتى وإن كنت نافرة منه؛ لأنه بالنسبة لك الآن مشروع استثماري رائع، بمقدورك أن تحوليه - بإذن الله تعالى وتوفيقه – إلى عبد صالح مستقيم، وأن تزول هذه النفرة التي بينكما وتكونين من سعداء الدنيا والآخرة.
ما دام الله قد من عليك بشيء من العلم الشرعي والدعوة ومعرفة بعض الكلام حول الدعوة والتأثير في الآخرين، فأتمنى - بارك الله فيك – أن تصبري وأن تتحملي هذه الإهانات التي تصدر منه الآن، وألا تضيعي هذه الفرصة، وألا تتعجلي في ترك هذا الرجل أو العودة إلى بلدك؛ لأنه قد يكون هذا الآن هو العلاج المناسب؛ لأنه باعتبار أنكما لازلتما لم تتعارفا من قبل والحياة الزوجية لازال الرجل في شبابه، كما أنك في شبابك، والشباب أحيانا يكون له بعض التصرفات التي تكون ممتلئة بالرعونة وعدم التعقل، ولكن مع الأيام يحدث هناك نوع من التركيز ونوع من الرتابة ونوع من الهدوء، وهذا سوف يأتي - بإذن الله تعالى -.
لا تتعجلي السفر إلى أهلك الآن واصبري قليلا، توجهي إلى الله بالدعاء أن يصلحه، وواصلي دعوته إلى الله تبارك وتعالى على قدر استطاعتك، وحافظي على هذا الجنين، لعل الله تبارك وتعالى أن يكرمك به فيكون من صالح المؤمنين، حتى وإن كان أبوه فاسدا، فكم من آباء كانوا من أفسد أهل الأرض وخرج أبناؤهم من صالح المؤمنين.
اصبري وتحملي ولا تلقي بالك لهذا الكلام الذي قرأته أو سمعته من أخواتك المسلمات على القنوات؛ لأن كل أسرة لها ظروفها وكل حالة لها ما يناسبها، فليس كل الأسر على مستوى واحد، وليس الحالات كلها واحدة، وإن كانت متشابهة، إلا أن كل أسرة بما أنها تتكون من شخص مختلف عن الشخص الأول ومن شخص أيضا مختلف عن الأخت الثانية فقطعا هنالك اختلاف في المشاكل.
نعم قد يكون هناك قاسم مشترك وهي الإهانة، ولكن - كما ذكرت لك – الرجال ليسوا سواء والنساء أيضا ليسوا نساء، ولذلك لا نستطيع أن نقول ما دامت المشكلة حصلت للأخت فلانة أن تحصل لي أبدا؛ لأنه قد يكون هذا الكلام قد يحدث عندي أكثر منها، ولكن لا يلزم أن تكون نفس المشاكل.
دعينا نعطي أنفسنا فرصة، ودعينا نتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء، وحاولي أيضا مع الدعاء أن تجتهدي في الدعوة والتذكير بما يرضي الله تعالى، ولا تتواني عن ذلك إذا كان الجو مناسبا، يعني لا تأتي في وقت معين ترين أن زوجك ليس على استعداد أن يسمع فيه شيئا ثم تتكلمين في الدعوة، وإنما تخيري الأوقات المناسبة واختاري أيضا أوقات الإجابة وادعي الله تعالى أن يصلحه وأن يهديه، وهذا ممكن وليس مستحيلا ولا صعبا، فإن الله تبارك وتعالى كما تعلمين أخبرنا نبيه صلى الله عليه وسلم عنه فقال: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء)، والإنسان منا قد يظل فترة طويلة وهو في غاية الالتزام والطاعة ثم يسقط سقطة يموت عليها، وقد يكون أيضا في أول حياته معاصي عظيمة ثم يتوب إلى الله تعالى توبة نصوح فيتوفاه الله عليها، فالعبرة بالخواتيم، ونحن ما دمنا أحياء وأنت مازال عمرك ـ الحمد لله ـ الآن معقولا ليس كبيرا، وزوجك قطعا يكون قريبا منك في هذا الأمر، فأرى ألا تغلقي باب الخير، وألا تتركي البلد وتسافري إلى أهلك، وإنما أعط نفسك فرصة أكثر وأطول، إذا استمرت المشاكل وزادت على ما هي عليه وأصبحت عاجزة عن التحمل ففي تلك الحال يمكن أن تستأذنيه وتسافري إلى أهلك، وهناك تمكثين في بلدكم بعيدا عنه لفترة، لاحتمال أن الأمور تتحسن في حالة بعدك عنه.
أما إذا صلح فهذا ما نرجوه، ولكن أتمنى ألا تفكري في الطلاق الآن وألا تجعليه هو الباب الوحيد للرحمة، وإنما اجعليه آخر شيء - بارك الله فيك – وركزي على الدعوة والدعاء، وانظري فيما يفعله هذا الرجل معك، لعل الله تبارك وتعالى أن يصلحه ويهديه ويأتي في ميزان حسناتك.
كما ذكرت إن واصل الإهانة والضرب والشتم وعدم الاحترام والتقدير ولم تشعري بأنه تغير للأحسن تكونين على الأقل أعطيت نفسك فرصة؛ لأن احتمال إذا طلبت الطلاق الناس يقولون: هذه ما زالت في أول الحياة الزوجية ولماذا لم تصبر عليه، قد تجدين من يعتب عليك بشدة، أما عندما تعطين نفسك فرصة حتى تشعري بأنه لا أمل في علاجه، ففي تلك الحال إذا سافرت وقدر الله ووقع الطلاق فلن تشعري بعد ذلك بشيء من الندم لأنك ما أعطيته فرصة.
إذن نعطي فرصة وندعو الله تبارك وتعالى له بالهداية وندعوه إلى الله ونذكره ونصبر ونتحمل، حتى على الأقل تكون عندك قناعة بأن أي خطوة بعد ذلك سوف تكون هي الخطوة الموفقة والمسددة.
أوصيك بالدعاء لهليلا ونهارا قدر الاستطاعة، واعلمي أنه حتى وإن كان كفرعون فإن الله قادر - سبحانه وتعال – أن يهديه، فسلي الله تبارك وتعالى له الهداية والتوبة والصلاح والاستقامة؛ لأن في صلاحه صلاحا لك ولذريتك - إن شاء الله تعالى – وفي فساده قطعا دمار لهذه الأسرة بالكامل.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأسأل الله أن يهدي زوجك صراطه المستقيم، وأن يغفر لنا وله وأن يتوب علينا وعليه، إنه تواب رحيم.
هذا وبالله التوفيق.