السؤال
السلام عليكم.
قرأت لكم مقالا في صفحتكم بعنوان: القسوة والعقاب.. سبب لفقد الثقة عند الشباب.
أنا فتاة في الـ27، أدرس في الجامعة، ثقتي بنفسي "صفر" لست قوية الشخصية، ثقتي بنفسي ضعيفة لأبعد الحدود، دائما أرى أصدقائي واثقين من أنفسهم ومقبلين على الحياة بتفاؤل.
أما أنا فلا، نفسيتي محطمة تماما، لا أقدر أبدا أن آخذ قرارا بنفسي حتى في أبسط الأشياء، أتألم كثيرا لذلك.
طفولتي وشبابي كانت قاسية، أبي عاملني بقسوة شديدة، يضربني، يهينني، ينعتني بأبشع الأوصاف، يحتقرني، لا أجرؤ على قول (لا) ولا أجرؤ على نقاشه في شيء، مستبد برأيه، حتى أمام بنات وأولاد أعمامي وأخوالي كان يضربني ويهينني أمامهم.
لقد فقدت ثقتي بنفسي تماما، صرت أخاف من أي فشل، أحس أنني لن أجد شغلا بعد التخرج، وذلك بسبب معاناتي من قلة ثقتي بنفسي، وأحس أنني لن أنجح في الشغل لهذا السبب، ودائما أحسد أصدقائي لأنهم سيحصلون على عمل بعد التخرج وسوف يتميزون لأن لهم شخصية متوازنة وواثقين من أنفسهم.
رغم قربي من الله وتديني في الثلاث السنوات الأخيرة إلا أن ذلك لم يغير شيئا من معاناتي؛ لأن سبب معاناتي هي عقد ومخلفات التربية غير السليمة، بماذا تنصحونني؟ إن كان هناك دواء أرجو مراعاة ظروف الحصول عليه؛ لأنني أسكن في أوروبا ألمانيا تحديدا.
والسلام عليكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Iman حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنحن دائما حريصون أن نذكر الناس أن الإنسان في بعض الأحيان يقسو على نفسه ويقيمها بصورة خاطئة، وقد ينعتها ويصفها بصفات ونعوت ليست حقيقية، فأقول لك: إن ثقتك بنفسك ضعيفة، أو أنها صفر، هذا وصف لابد أن نقف عنده كثيرا، وأعتقد أن هذه هي المشكلة الرئيسية التي تعانين منها .. حكمك على نفسك بهذا الحكم أعتقد أنه ظلم مع احترامي الشديد لك، وأنا لا أود أبدا أن أقسو عليك، ولكن هذه بداية ضرورية لأن تعيدي تقييم نفسك، كما وصف أحد العلماء النفسيين (أربك) أن مشكلتنا ليست في الاكتئاب النفسي ولكن مشكلتنا في تقييمنا السالب لأنفسنا، وفكرنا المعرفي الظالم لأنفسنا مما يجعلنا نفقد الثقة في أنفسنا ونصاب بالاكتئاب، وحين أدعوك لأن تعيدي تقييم نفسك أطلب منك أن تنظري ما هو الإيجابي في حياتك، فأنت مسلمة وهذا أمر عظيم وإيجابي، وأنت -الحمد لله- أصبحت أكثر التزاما في السنوات الأخيرة، وهذا أمر إيجابي، وأنت تبلغين من العمر 27 عاما أي في قمة الشباب أو بداياته وهذا أمر إيجابي، وأنت أتيحت لك الفرصة للذهاب إلى ألمانيا، وكم من الناس قد حرموا حتى من الطعام، إذن أنت لديك شيء إيجابي، وأنت لديك أسرة، ولديك صديقات، ولديك مجتمع، وأنت لا تعانين من مرض عضوي صعب وجسيم وهذا شيء إيجابي، وهذه أمثلة بسيطة جدا يجب أن لا نأخذ هذه النعم كأنها من المسلمات التي هي من حقوقنا، وأرجو أن تفكري إيجابيا حول ذاتك، وأنا أعجبتني رسالتك جدا بطريقة التعبير والترتيب والتنظيم وهذا شيء إيجابي، وهو يدل على مقدراتك المعرفية.
إذن أنا أدعوك إلى التقييم المنطقي والحقيقي والعادل لمقدراتك، ولا أدعوك إلى التفاؤل الواهي، أو غير المؤسس، ولكنني قطعا أدعوك إلى إيقاف التهويل في تحقير نفسك، واهتزاز ثقتك بنفسك هذا ضروري جدا، وهذا هو التغيير المعرفي المنشود، وإذا كنت موجودة في دولة عربية كنت سأقول لك ابحثي عن كتاب الدكتور/ صالح بشير الرشيدي، والكتاب يسمى "التعامل مع الذات"، لقد شرح بلغة بسيطة وجميلة جدا كيفية التعامل مع الذات، وكيف نخرج أنفسنا من هذا التفكير السلبي، وأرجو أن تتحصلي على هذا الكتاب، وهو موجود في معظم المكتبات العربية في دول الخليج، والدكتور هو أخصائي نفسي في دولة الكويت وأستاذ جامعي، وبعد ذلك أدعوك لأن تفكري في الماضي من زاوية أخرى، فأنت ترين أن الأسباب في متاعبك الحالية إذا كانت هنالك متاعب حقيقية هو التنشئة والتربية وقسوة الوالدين، وأرجو -أيتها الفاضلة الكريمة- أن تسألي نفسك: كم من الناس عاشوا في قسوة؟ عاشوا في بيوت الأيتام افتقدوا والديهم، وافتقدوا أي عناية، وبالرغم من ذلك هم -الحمد لله- تحصلوا على الدرجات العلمية العالية، وأصبحوا من أصحاب المناصب ولهم حظوظ ولهم وجود ولهم فعالية.
وكم من الناس عاشوا في نعم كثيرة وحياة مدللة ومليئة بالرفاهية وبالرغم من ذلك فشلوا في كل شيء، وأنا حقيقة لا أقول أنني أتجاهل نظرية التنشئة وأثر التنشئة، ولكن الذي أقتنع به تماما أن حب الآباء والأمهات لأبنائهم هو حب جبلي وفطري، بمعنى أنه لا يوجد أب أو أم -إلا ما ندر- يقصد أن يقسو على أبنائه، ربما تكون هنالك اختلافات في مناهج التربية، فبعض الآباء والأمهات ينشئون أبناءهم بالصورة التي يفهمونها ويعتقدون أنهم يريدون بهم خيرا، ولكن يكون أسلوبهم لا يخلو من القسوة؛ لذا نرى في علم النفس أن الماضي أين كان هذا الماضي مهما كان به قسوة خاصة حين تكون هذه الصعوبات والقسوة متعلقة بالوالدين والأسرة، هذه يجب أن تحتضر كنوع من التجارب، وليس أكثر من ذلك، ويجب أن لا نحمل الموضوع من اللزوم، ويجب أن لا نجد لأنفسنا ونسوق هذه المبررات والدفاعات النفسية السالبة، التبرير الخاطئ لما نقوم به الآن ونحمل الماضي أكثر مما يجب هو من أسوأ الدفاعات النفسية السالبة.
فإذن أنا أرجوك وأدعوك أن تعتبري ما مضى هي تجربة وتتخذيها وسيلة لتطوير الحاضر، وتقوية المستقبل وأن تعيشي المستقبل بأمل ورجاء، هذا هو الذي أرجوه منك، استبدلي كل هذه الكلمات بكلمات مضادة، عدم الثقة بالثقة .. المعاناة بالأمل وبالرجاء .. الخوف بالطمأنينة .. حتى الظرف الذي تكلمت عنها في الطفولة استبدليها بالتوجيه المفيد، وأنا أريدك أن تتقيدي معرفيا، وأن تغيري فكرك، وهذه هي الوسيلة التي تعيد للإنسان ما يسمى بالثقة في النفس، فالثقة في النفس حقيقة هي كلمة هلامية جدا، وتعبير يقصد به الناس معاني مختلفة، فأنا أرجو أن تواكب أفعالك مقدراتك، وحين تواكب وتطابق أفعالك لمقدراتك ومقدراتك كثيرة هنا سوف تحسين بالثقة في النفس، وربما يكون أيضا من المفيد لك أن تنظمي لأحد الجمعيات الخيرية وإن كنت أعرف أن ذلك ربما لا يكون سهلا في البلاد التي تعيشين فيها، ولكن العمل التطوعي، والعمل الخيري وجد أن الانخراط فيه ينمي الإنسان تنمية بشرية حقيقة ويجعله أكثر ثقة في نفسه ويحس بالرضا، ويطمئن لما يقوم به، وأما بالنسبة للعلاج الدوائي فأعتقد أن الدواء ليس أساسا في علاجك، ولكن يمكن أن تكون للدواء أيضا مساهمات إيجابية.
احرصي على تطبيق الإرشادات السلوكية السابقة، وإن شاء الله هي التي تفيدك وتفيدك كثيرا.
أما بالنسبة للدواء فإني أود أن أصف لك عقارا موجودا في أوروبا يسمى ويعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine) ويعرف تجاريا باسم (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، فأرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة) ليلا لمدة أسبوعين، ثم ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة (عشرين مليجراما) ليلا، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضي الجرعة إلى عشرة مليجرام ليلا لمدة شهر، ثم توقفي عن تناوله.
الزيروكسات هو من الأدوية المضادة للقلق والتوتر والاكتئاب، والجرعة التي وصفناها لك هي جرعة صغيرة وإن شاء الله تساهم في تحسين مزاجك وإعادة الثقة إليك.
أشكرك كثيرا على تواصلك مع موقعك إسلام ويب، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.
ويمكنك الاستفادة من الاستشارات التالية حول العلاج السلوكي لقلة الثقة بالنفس: ( 265851 - 259418 - 269678 - 254892 ).
وبالله التوفيق.