صلاح الظاهر يدفع إلى إصلاح الباطن.

0 641

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

في الحديث: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه)، وهو في موضوع الرياء، وعكسه الإخلاص .. أريد بيانا شافيا في هذا الموضوع، لأني أشعر أن هذا الأمر يؤثر علي كثيرا، وتأتيني وساوس في هذا الأمر، وأخاف منه جدا، ونقل ابن رجب في جامع العلوم والحكم عن يوسف بن الحسين الرازي قوله: أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي وكأنه ينبت فيه على لون آخر.

فمثلا أريد أن أطلق لحيتي وهذا هو سمت الصالحين، ولكني إذا خلوت بنفسي أتجرأ على الله بمعصيته، فأشعر أن هناك وجهين، حيث أظهر أمام الناس بمظهر الصالحين وبيني وبين نفسي أتجرأ على الله، وأقول لنفسي بدلا من أسعى لإصلاح الظاهر باللحية يجب أن أسعى لإصلاح الباطن، من أمر الخشية والخوف والحياء من الله وضعف الإيمان وغيرها، ولكي لا أشعر بهذا التناقض.

والإنسان ذو الوجهين يظهر ويتكلم أمام زملائه غير الملتزمين بطريقة معينة، ويظهر ويتكلم أمام الصالحين من أهله أو عشيرته أو أصدقائه أو جيرانه كأنه من الصالحين، أي مع الشيوخ يكون شيخا ومع الفاسدين يكون مثلهم.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كمال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يرزقك الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعلك من عباده الذين يخشونه في الغيب والشهادة والسر والعلانية، وأن يمن علينا وعليك بالتقوى في الدنيا والسعادة الدائمة في الآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنك تتحدث عن الإخلاص، والإخلاص أمر عزيز في هذه الدنيا، حتى إن بعض السلف يقول: (إن إخلاصنا يحتاج إلى إخلاص)، ومن الناس من يسقطون في الرياء وتضيع أعمالهم عليهم هباء منثورا نتيجة ضعف الإخلاص، وأنت ضربت على ذلك مثلا بأنك تريد أن تطلق لحيتك حتى تكون ملتزما بسمت الصالحين، ولكنك تخشى إذا خلوت بنفسك أن تتجرأ على معصية الله.

وأحب أن أقول لك أن الإنسان بطبيعته عرضة للخطأ، وقد جعل الله تبارك وتعالى تقويم النفس مسئولية العبد، فقال: ((قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها))[ الشمس:9-10]، فأنا وأنت وسائر المسلمين مطالبون من قبل الحق جل جلاله أن نجتهد في إصلاح أنفسنا وفي تزكيتها وترقيتها وفي إعانتها على طاعة الله تعالى؛ لأن النفس البشرية كما قال الشاعر:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على ** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فلو ترك الإنسان نفسه لهواها لأضرته ضررا بالغا في الدنيا والآخرة، والنفس إن ترك لها الحبل على الغارب ألحقت بك ضررا بليغا في الدنيا والآخرة، لأنها أقرب أعدائك إليك وأشد أعدائك عليك، ولذلك كان جهادها أولى من جهاد الشيطان وأولى من جهاد المنافقين وأولى من جهاد الكفار؛ لأنه كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى كما قال في تفسير قوله تعالى: ((قاتلوا الذين يلونكم من الكفار))[التوبة:123] قال: يجب على من أراد أن يجاهد في سبيل الله أن يجاهد العدو الأقرب فالأقرب، وأقرب عدو لنا إنما هو النفس التي بين جنبينا، فنحن مطالبون بضرورة مجاهدتها في الله تعالى حتى نعينها على طاعة الله عز وجل، وحتى نأخذ بناصيتها إلى الحق، ولا ندع لها الحبل على الغارب حتى لا تفسد علينا ديننا ودنيانا.

وأما رفضك لإطلاق اللحية لأنك لا تريد أن تلتزم بالسمت الظاهر لأنك إذا خلوت بنفسك تجرأت على بعض معاصي الله تعالى، فهذا من تلبيس إبليس ونزغات الشيطان، وهو أيضا من وسوسة النفس؛ لأن الإنسان كلما التزم بسنة ظاهرة كلما كان فيها نوع من العون والمدد له، فكثير من الأخوة عندما كانوا غير ملتزمين بالسنة كانت أحوالهم صعبة وكانت تصرفاتهم غير منضبطة، فلما من الله عليهم بالالتزام صارت اللحية حافزا لهم على الطاعة وجعلت محاسبتهم لأنفسهم أشد.

فبمقدورك أن تحول اللحية إلى حافز ومعين على طاعة الله، فإن اللحية أو الالتزام الظاهر كالالتزام بالثوب المطابق للسنة أو الالتزام بالمحافظة على صلاة الجماعة أو الالتزام بالمحافظة على الأذكار أو المشاركة في المحاضرات والندوات أو طلب العلم، كل هذه أعمال ظاهرة، والأصل فيها أنها معينة للعبد على إكمال العبادات الباطنة.

ورغم أن صلاح الباطن أهم من صلاح الظاهر؛ لأن الله تبارك وتعالى كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، والأولى بنا أن نجتهد في صلاح الباطن لأن به صلاح الظاهر، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، إلا أن هذا لا ينفي أيضا أن صلاح الظاهر مطلوب؛ لأن به يظهر الإسلام في الناس.

فصلاة الجماعة شعار من شعار الإسلام، فلا أترك صلاة الجماعة حتى أصلح ما في نفسي، وكذلك أيضا التزام الناس بسنة اللحية أيضا إظهار لشعيرة من شعائر الإسلام، وكثرة الملتحين يعطي نوعا من الطمأنينة للمسلمين ويقلل من غربة الأخوة الملتزمين بين الناس، فإنك إذا كنت في مجتمع معظم الذين يعيشون فيه من الرجال الملتزمين بالسنة ومعظم الأخوات ملتزمات بالحجاب الشرعي فستقول إن الإسلام بخير، وهذا يعطيك دفعة إلى الأمام، ويعطيك رغبة في مزيد من الالتزام حتى تلحق بركب الصالحين.

وأما لو عشت مع مجموعة لا يبدو عليها الديانة أو التزام السنة فتقول: لعلي من أفضلهم ولعلي من أحسنهم، وبذلك تضعف عزيمتك وتخور قواك ولا تتمكن من مواصلة المسيرة، فعليك بالالتزام الظاهر والاجتهاد في إصلاح الباطن، ولا يتخلف واحد عن الآخر، فإن كلاهما يصب في صاحبه، فإن التزام الباطن يترتب عليه صلاح الظاهر، والالتزام الظاهري إذا أحسن استغلاله كان أيضا عونا على صلاح الباطن، ما دام الإنسان لم يرد بذلك وجه الناس أو الرياء والسمعة، فهو مستفيد ومأجور، وتؤدي إلى صلاح الباطن، ما دام العبد قد أراد بها وجه الله.

ونحن مطالبون بإظهار الإسلام بين الناس حتى لا يضعف الإسلام ويموت بين عباد الله تعالى، والنبي عليه الصلاة والسلام كما ورد في الحديث يقول: (من أحيا سنة أماتها الناس أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب)، فنحن مطالبون أن نهتم بالأمرين معا، وأن نجتهد في طاعة الله تعالى، وأن نلزم أنفسنا الخشية من الله تبارك وتعالى في الخلوات، وأن نجعل هذا الوقت الذي نخلو فيه وقت عبادة وقربة وأنس بالله تعالى، وليس وقت معصية وغفلة.

فعليك بصلاح الظاهر والباطن معا، وعليك بالاجتهاد في إصلاح الأمرين معا، فإن الظاهر له ثوابه والباطن أيضا له ثوابه، وإن كنت معك يقينا من أن الباطن أهم وأخطر، نسأل الله أن يصلح نياتنا وأن يصلح أعمالنا، وأن يوفقنا وإياك لالتزام هدي نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات