خطر الإصرار على المعاصي وشبهة التخلص من شؤمها بالاستغفار

0 461

السؤال

السلام عليكم.

كنت أتجادل مع صديقي عن الأغاني، وقد تخليت عنها ولله الحمد، وقال لي: بأنه يمكنه أن يسمع الأغاني ويقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة ويغفر له ما تقدم من ذنوب. فهل كلامه صحيح؟
علما بأن أهلي لا يهتمون بالصلاة، وأنا في كل صلاة أحب أن أذهب للمسجد، ونفس الشيء عند خروجي، وأحس أني أريد أن أكون مصدر انتباه، وأن يتكلموا عني، ولكني لا أريد الرياء. فماذا أفعل؟

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في استشارات إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك، وأن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين، وأن يوفقك في دراستك؛ حتى تكون من العلماء العاملين، ومن الذين يحملون راية الإسلام في كثير من الميادين.

وبخصوص ما ورد في رسالتك: فإن العبد منا إذا أصر على المعصية فإن أمره يكون عظيما، وقد بين الله تعالى أنه يغفر المعاصي التي لا يصر صاحبها عليها، وأما إذا أصر على المعصية وحرص عليها فإن ذلك في حد ذاته معصية، حتى وإن لم يفعلها، وهذا الفهم الذي ذكره لك صاحبك ليس فهما صحيحا، بل هو فهم مردود.

وعندما تصر على المعصية من أدراك أن الله سيغفر لك؟ وهل كل من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة يغفر الله له؟ فالتوبة لها شروط، كما أن الصلاة لها شروط، ومغفرة الذنوب أيضا لها شروط. فلا يعقل أبدا أن أكون مصرا على الطاعة والمعصية في نفس الوقت؟ فهل رأيت الشمس والقمر يجتمعان في لحظة واحدة؟ هل رأيت الليل والنهار يلتقيان في ساعة واحدة؟ هل رأيت الحلو والمر يلتقيان في شيء واحد؟ هل رأيت الحركة والسكون يلتقيان في شيء واحد؟ إن الجمع بين المتناقضات من المستحيلات، ولذلك إما أن يكون العبد طائعا وإما أن يكون عاصيا. وعندما يسمع العبد الأغاني يكون عاصيا، وعندما يترك ذلك سيكون طائعا، فعلى أي حال سيموت؟ هل يا ترى سيموت على الطاعة أم على المعصية؟ ثم إن التسبيح أو الاستغفار لا يمحوان إلا صغائر الذنوب، وإصرار العبد على المعصية يحولها إلى كبيرة.

فاحمد الله تعالى أن من عليك، وتخليت عن هذه العادة السيئة، وعن هذه المعصية المحرمة، ومع تخليك عنها وتركك لها واظب على الأعمال المسببة للمغفرة، كقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأنه لو قالها العبد فإن الله يغفر له، ولكن بشرط عدم الإصرار على المعصية، فإذا فعل ذنبا معينا دون تعمد أو دون إصرار عليه ثم استغفر الله فإن الله يغفر له، وأما إن ظل يسمع الأغاني ويقول: أستغفر الله ويأكل الربا ويقول: أستغفر الله فهذا عبث ولعب لا أساس له في الدين.

وأما كون أهلك لا يهتمون بأمر الصلاة وأنك في كل صلاة تحب أن تذهب وفي نفسك أن تشعرهم بأنك ذاهب إلى الصلاة وأن يتكلموا عنك فهذا الذي في نفسك إنما هو حظ نفسك والشيطان؛ لأن نفسك لا تريد أن تأخذ الأجر كاملا، ولذلك تحاول أن تحثك وتدفعك مع الشيطان أن تخبر أهلك أو تشعرهم بذلك؛ حتى يدخل إلى قلبك الرياء، وبذلك يفسد عملك، والصالحون من عباد الله كانوا يعملون أعمالا يتمنون أن الملائكة لم تطلع عليها؛ لحرصهم على ألا يعلم أحد بأعمالهم سوى الله تعالى؛ لأن العبادة بالإخلاص أجرها أعظم بملايين المرات من العبادات الظاهرة. ولذلك عندما تجد في نفسك الرغبة بأن يشعروا بك استعذ بالله عز وجل، واتفل على يسارك ثلاثا، وانصرف بهدوء، ولا تشعر أحدا بأنك خرجت. ولكن لا مانع مع الأذان أن تذكرهم بالصلاة، وأن تحاول أن تأخذ من هم أقل منك سنا إلى المسجد من باب الدعوة، وحتى أخوك الأكبر منك. فمن حقهم عليك أن تدعوهم، فتدعو أباك وتدعو أمك وتدعو إخوانك وأخواتك إلى الصلاة، ولكن عندما تخرج إلى الصلاة ما دمت أنك ترى في نفسك الرغبة بأن يشعروا بك فحاول أن تخرج ولا يعلم بك أحد؛ حتى لا تفسد عليك عباداتك، وحتى لا يتسلط الشيطان على نيتك، فيفسد عليك إخلاصك.

واعلم أن الله مطلع على قلبك، فاجتهد في الصلاة والمحافظة على الإخلاص، وتوجه إلى الله بالدعاء أن يقبل الله منك؛ لأنه ليس كل من صلى يقبل الله منه، فتوجه إلى الله بالدعاء أن يقبل منك، وتوجه إلى الله بالدعاء أن يوفقك الله، وأن يعينك على أن تهدي أهلك إلى طاعة الله سبحانه وتعالى. ونسأل الله لك التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، والاستقامة على الدين، إنه جواد كريم.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات