ما هي المبادئ الأساسية لعلاج الرهاب الاجتماعي؟

0 465

السؤال

السلام عليكم ..

أحبائي في الله، جزاكم الله خيرا، وأسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتكم.

أنا شاب عمري 21 سنة، لطيف، ذو أخلاق، محب للخير، محب للناس، علاقتي مع الله جيدة.

منذ عام ونصف تقريبا أصبت بالرهاب الاجتماعي بين ليلة وضحاها إثر موقف محرج حدث لي، فتغيرت حياتي جذريا في هذه الفترة وانقلبت رأسا على عقب، فأصبحت إنسانا خجولا جدا، مع العلم أني لم أكن خجولا من قبل، وصرت كئيبا، قلقا، عصبيا، وأخجل من الجنس الآخر كثيرا، ولا أريد أن أطيل فكل أعراض الرهاب حدثت لي.

وتوالت الأيام وتطور الخوف والقلق والخجل لدي فصرت أخجل حتى في البيت وأمام الأقارب والخالات والعمات، وصرت كئيبا جدا، وأصبح تفكيري كله منحصرا على الخجل حتى انغرز في أحشاء عقلي الباطن.

وحينئذ لم يكن لدي أدنى فكرة عما يحدث لي وكنت تائها، ولكن - بفضل الله - بدأت أبحث وأقرأ عن الخجل والرهاب وأقر الاستمارات والإجابات عليها فأصبح لدي قدر كافي من المعرفة والخبرة عن هذا المرض، وصرت أعرف كل خباياه، جربت العلاج السلوكي والعلاج بالمواجهة فأفادني نسبيا لكن ليس بالقدر الكافي والمطلوب، أي عندما أجرب استراتيجية معينة لن تتعدى يوما أو يومين وريثما أعود إلى حالتي السابقة فتخليت عنه لأني تعبت وكرهت التجريب كل مرة، والآن أنا أتفادى - التفادي عموما - المواقف المحرجة، أصدقائي أهلي.... حتى صرت فنانا في التفادي، وأعلم أن هذا ليس في مصلحتي بل العكس تماما، لكن ماذا أفعل فحتى الآن ما زلت على هذه الحالة التي يرثى لها، ولم أزر طبيبا نفسانيا في حياتي ، فأنا متردد بعض الشيء.

فأرجوك - يا دكتور - شخص حالتي وصف لي الدواء المناسب، وهل سيفيدني الزيروكسات وحده؟

وشكرا - يا دكتور - جزاك الله خيرا واعذرني على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد النور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.. ونشكرك على تواصلك مع استشارات إسلام ويب.

فقد قمت بوصف حالتك بصورة واضحة ودقيقة جدا، وتشخيص حالتك هو أنك تعاني من القلق أو الخجل أو ما يسمى بالرهاب الاجتماعي، وهو حالة قلقية بحتة قد تؤدي إلى عسر ثانوي في المزاج، لا نقول أنه يصل لدرجة الاكتئاب النفسي ولكنه قطعا يؤدي إلى حالة من عدم الارتياح وفقدان الثقة في النفس.

لا شك أنه من خلال اطلاعاتك المختلفة لاحظت أن العلاج السلوكي يركز عليه كثيرا، وهذا في نظرنا من أهم وسائل العلاج؛ لأنه وكما تفضلت وذكرت أنت فإن الرهاب الاجتماعي هو سلوك متعلم، سلوك مكتسب، قد ينتج من خبرة أو تجربة مفاجئة، أو يكون نتيجة لخبرات وتجارب متراكمة ينتج عنها بعد ذلك الخوف أو الرهاب الاجتماعي، والمنطق يقول أن الشيء المكتسب أو المتعلم يمكن أن يفقد، أي يتم إبطال تعليمه، وهذا ما نسميه بتعديل السلوك.

مهما أصبت بشيء من عدم الارتياح والتعب وكراهية ممارسة العلاج السلوكي إلا أنه ضروري جدا، وأنا أقول لك أن ممارسة العلاج السلوكي يمكن أن تكون بعدة طرق، من هذه الطرق هو أن تجعله ممارسة حياتية يومية عادية جدا، اجعله جزءا من حياتك اليومية، ليس من الضروري أن تجلس جلسات خاصة لممارسة هذا العلاج، إنما اجعل كل ممارساتك اليومية تقوم على التعريض وفقدان التجنب، وسوف يساعدك كثيرا لتطبيق هذا المبدأ العلاجي أن تصحح مفاهيمك حول القلق الاجتماعي، وأهم المفاهيم التي لابد أن تصحح هو أن الحالة هي مجرد قلق وليس أكثر من ذلك.

ثانيا: أنها حالة مكتسبة، وكما قلنا: الشيء المكتسب يمكن أن يفقد.

ثالثا: أن الأعراض التي تعانيها وتظهر عليك في شكل أعراض فسيولوجية وجسدية هي أعراض مبالغ فيها.

رابعا: لن يحدث لك -إن شاء الله تعالى- أي مكروه ولن تفقد السيطرة على الموقف حين تكون في مواجهة اجتماعية.

خامسا: الآخرون لا يقومون برصد أعراضك أو مراقبتك أو أنك سوف تفشل أمامهم.

هذه مبادئ بسيطة وأساسية جدا للعلاج.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، واعتمادا على النظرية البيولوجية والكيميائية التي تقول أن أصحاب القلق الاجتماعي لديهم عدم انتظام أو ضعف في إفراز بعض المواد التي تسمى بالموصلات أو المرسلات العصبية، ومن هذه المواد مادة تعرف باسم (سيروتونين Serotonin)، وحسب ما أشارت الأبحاث أن هذا الاضطراب البيولوجي لا يمكن قياسه بصورة دقيقة في أثناء الحياة ويمكن أن نرجع هذه المرسلات العصبية إلى وضعها الطبيعي وذلك بتناول أدوية معينة، من هذه الأدوية عقار يعرف (زيروكسات Seroxat) أو (باكسيل Paxil)، ويعرف علميا باسم (باروكستين Paroxetine)، وهو من الأدوية الفعالة والممتازة جدا، وهنالك أدوية أخرى مثل عقار يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline)، وعقار ثالث يعرف تجاريا باسم (سبرالكس Cipralex) ويعرف علميا باسم (استالوبرام Escitalopram)، وعقار رابع يعرف تجاريا باسم (فافرين Faverin) ويعرف علميا باسم (فلوفكسمين Fluvoxamine).

أنا أعتقد أن الزيروكسات هو أحسن دواء يبدأ به الإنسان في حالات الرهاب الاجتماعي، وذلك لأنه الذي جرب بصورة واضحة وعلى أعداد ضخمة جدا من المرضى وأثبت فعاليته.

جرعة الزيروكسات التي تستعمل لعلاج الخوف الاجتماعي يجب أن تصل إلى حبتين في اليوم على الأقل، وهنالك من يحتاج إلى ثلاث حبات في اليوم، والقليل جدا من الناس يحتاج إلى أربع حبات في اليوم وهي الجرعة القصوى.

في حالتك أود منك أن تبدأ بجرعة نصف حبة (عشرة مليجرام) ليلا بعد الأكل، وبعد مضي أسبوعين ارفع الجرعة إلى حبة كاملة ليلا، استمر على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم ارفع الجرعة إلى حبتين (أربعين مليجراما)، وهذه يمكن أن تتناولها كجرعة مسائية واحدة، أو تتناول حبة واحدة ظهرا وحبة واحدة ليلا.

استعمال الدواء كجرعة واحدة ليلا أو أن ينقسم إلى جرعتين يعتمد على درجة النعاس أو زيادة النوم الذي ربما يسببها هذا الدواء لبعض الناس، فإذا كان هنالك شعور بالنعاس الشديد من استعمال الدواء فيفضل أن تكون الجرعة جرعة واحدة مسائية، أما بخلاف ذلك فيمكن أن تقسم الجرعة كما ذكرت.

يجب أن تستمر على جرعة حبتين يوميا لمدة تسعة أشهر على الأقل، ثم بعد ذلك يمكنك أن تبدأ في تخفيض الدواء بمعدل نصف حبة كل ثلاثة أشهر حتى تتوقف عن تناوله.

بجانب الزيروكسات يمكن أن تستعمل علاجا داعما يسمى تجاريا باسم (فلوناكسول Flunaxol) ويعرف علميا باسم (فلوبنتكسول Flupenthixol)، وجرعته هي نصف مليجرام (حبة واحدة) صباحا لمدة ثلاثة أشهر.

يتميز الفلوناكسول بالسلامة وأنه يدعم فعالية الزيروكسات ويؤدي إلى زوال هذا القلق - بإذن الله تعالى - .

هذا هو الذي وددت أن أوضحه، وأؤكد لك تماما أن هذه الحالة يمكن علاجها، ولا تيأس ولا تسأم أبدا، وكن متفائلا، وطبق آليات العلاج السلوكي بجميع أنواعها، وكن منتظما على تناول الدواء، وهذه - إن شاء الله تعالى – تؤدي في نهاية المطاف إلى أن تزول علتك هذه.

ويمكنك مراجعة هذه الاستشارات حول العلاج السلوكي للرهاب: ( 259576 - 261344 - 263699 - 264538 ).

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.. ونشكرك على تواصلك مع استشارات إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات