السؤال
سمعت خطبة لأحد المشايخ عن حبوط الأعمال، وبعد هذه الخطبة راودتني شكوك ووساوس كثيرة في صحة إيماني. وإليكم بعض التفاصيل عني: أنا أحب الدين وأكره من يحاربه، وأحاول أن ألتزم قدر الإمكان، ونيتي في الالتزام أن يوفقني ربي في آخرتي ودنياي، فأنا مثلا لو ارتكبت ذنبا أثناء الدراسة -العام الدراسي- فإن شعوري بالندم على الذنب يكون أشد من أن يكون الذنب ارتكب في الإجازة، وأحس أن الله لن يوفقني في الامتحان، ولن أتفوق بسبب المعاصي، وحتى أكون صريحا فحرصي على التفوق وتحقيق هدفي في الدنيا هو دافعي الأكبر نحو الالتزام، وأشعر أني لو لم ألتزم بالدين لن أستطيع فعل شيء في الدنيا، حتى لو كان بسيطا، ويسبب لي ارتباكا، فلو نظرت لفتاة في الجامعة لا أستطيع أن أفهم المحاضرة، مع أني أجاهد نفسي ولا أطلق بصري، ولكن هذا لحظة ضعف، وإن حدث لي إخفاق فدائما أنسبه للتقصير في حق الله، وأيضا أرجع أخطائي في العمل الدنيوي لهذا.
أرجوكم أن تجيبوني على هذه الأسئلة:
السؤال الأول: هل إن تحقق هدفي الدنيوي أكون قد أوتيت أجري في الدنيا، ولن يكون لي أجر في الآخرة؟ مع أن هدفي أن أكون مسلما ملتزما بدينه، ناجحا ومتفوقا في عمله. هذا طبقا لما فهمته أنا من الخطبة.
السؤال الثاني: أنا مدمن على ذنب وأجاهد نفسي، ولكن تحدث لي انتكاسة، وكلما حدثت لي انتكاسة لا أستطيع أن أذاكر أو أمارس أي عمل في مواجهة مع الناس لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام. وهذا يؤثر على تقديري. مع أني أتوب فورا، ولا أنقطع عن أي من شعائر الدين. أرجو منكم إرشادي للحل، وتقديم نصائح لي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طارق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبارك الله فيك أيها الأخ الحبيب! وزادك حرصا على الخير، وكونك تريد بعملك الصالح أن يثيبك الله عليه في الدنيا والآخرة أمر حسن لا غبار عليه، فقد مدح الله عباده الذين يسألونه خير الدنيا والآخرة، فقال سبحانه: (( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار * أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ))[البقرة:201-202].
كما أنه لا حرج عليك أيضا أن تقصد بعملك إرضاء الله تعالى؛ ليصلح لك دنياك، فأنت بذلك تطلب رضاه، وتطلب رزقه الحسن الذي وعد به من أطاعه. وقد شرع الله عز وجل لنا صلاة الاستسقاء لطلب الغيث، وشرع لنا صلاة الحاجة نسأله فيها حاجتنا.
وإنما ذم الله تعالى أقواما لا يريدون بعملهم إلا الدنيا، ولا يقصدون وجه الله ولا يريدون رضاه، وهذا الحال لا يكون من المؤمن، بل هذا شأن الكفار. فلا تقلق من هذا، وتوجه بعملك إلى الله تعالى، قاصدا ثوابه العاجل والآجل.
كما أن فهمك أيها الأخ الحبيب! لأثر المعصية على حياتك فهم صحيح، فإن الإنسان يحرم الرزق بسبب الذنب، وبهذا نطق النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه). رواه ابن ماجة. فجاهد نفسك لتجنب المعاصي؛ فرارا من عقوبة الله تعالى العاجلة والآجلة.
وأما قولك: إنك مبتلى بذنب فكلام لا ينبغي أن تستسلم له، بل أنت قادر بإذن الله تعالى على مفارقة هذا الذنب وغيره من المعاصي، ولم يكلفك الله شيئا إلا وأنت تطيقه، فاحذر من تزيين الشيطان للذنب! أو التهوين منه! أو التسويف والمماطلة بالتوبة!
وإذا تبت من هذا الذنب توبة صادقة ثم ضعفت في وقت آخر ووقعت فيه فإن عليك أن تبادر إلى التوبة ثانية، وهكذا. وإذا دمت على هذه الحال بأن تندم بعد فعلك للذنب وتعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل وتقلع عنه ثم إذا وقعت فيه ثانية تكرر منك نفس الحال فكن على يقين بأن الله تعالى يغفر لك كل مرة، هكذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الطويل الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه.
واستحضارك أيها الحبيب! لعواقب الذنوب وأضرارها في الدنيا والآخرة من أكبر العوامل التي تساعدك على اجتنابها، والتوبة منها بعد فعلها.
وفقك الله للخير، ويسره لك، والله الموفق.