السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل.
لدي ابنان الأول يبلغ من العمر 20 سنة والثاني 18سنة كانا من المصلين وممن يذهبون للمدرسة القرآنية، ليحفظوا كتاب الله.
منذ 3 سنوات تقريبا بدءا في تضييع الصلاة والتدخين ومجالسة أصدقاء السوء والجلوس في المقاهي لساعات طويلة والاستماع للموسيقى في المنزل وغيره وتضييع الدراسة، مع سوء الخلق والتطاول على والدهم خاصة وعلي وعلى أخواتهم البنات الأكبر منهم سنا.
وهما لا يحترمان والدهما ويبررون ذلك بما يرونه أحيانا من الزلل في تصرفاته، غير أنه يحافظ على صلاته في المسجد ولكن معظم وقته للعمل غفر الله له.
والأكبر يقول لوالده إذا تصادما أو إذا رآه يضرب أخاه الأصغر، وهو قد أصبح أطول منه وأقوى إنه سيقتله وسيضربه، وأبوه يتأثر جدا من هذا الكلام ويقاطعه ومنع عنه رسوم الدراسة الخاصة.
والأصغر يتهدد بسب الجلالة وهذه المرة سب سبا واضحا للجلالة وأعلمته أن هذا الأمر عظيم، وأنه مكفر، ويجب عليه التوبة منه فتظاهر بالتوبة غير أنه أعاد الكرة.
وهما يطالبان بدفع معاليم الدراسة الخاصة الثانوية والجامعية ويسرقان المال ليتدبرا مصروف التدخين والسهر كلما أتيحت لهما الفرصة.
مع العلم أن أباهم دائما مشغول في العمل وإذا تدخل يتدخل بالضرب والشتم والتعزير.
مع العلم أننا نحافظ على صلاتنا ونحاول أن نقيم الدين في منزلنا أنا وبناتي والله المستعان.
بناتي يطلبون مني أن أخرجهما من المنزل لغرفة خارجية إلى أن يبينا استقامتهما وحتى لا تكون المعاصي التي يقومان بها على مرأى ومسمع منا ولأننا معنا أطفال نربيهم وهي ابنتي الصغرى وابن بنتي.
أرجوك الإفادة والنصح بطرق عملية، فالحقيقة أني أحيانا عاطفتي تغلب عقلي معهما والله المستعان.
غفر الله لنا ولكم.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم طه حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله تعالى لأبنائك الهداية والاستقامة على الطريق القويم والصراط المستقيم، وحقيقة الذي حدث من أبنائك لا شك أنه مؤلم تماما لكما كوالدين، ومثل هذا الانحراف السلوكي بالطبع لا يكون وليد اللحظة إنما يكون بدأ ببدايات بسيطة ثم أصبح يتطور ووصل إلى هذه الدرجة من الاضطراب والانحراف والنزعات السلوكية السالبة.
السلوك له مكونات وله أسس وله محددات وهنالك أمور تتعلق بالشخص نفسه وأسباب أخرى تتعلق ببيئته، وأسباب ومحددات تتعلق بأسرته. نحن حقيقة نركز على الأسر كثيرا في هذه الأمور التربوية وإن كنا نعرف تماما أن المؤثرات الخارجية أصبحت كثيرة وأصبح الوالد ليس هو المربي الوحيد لأبنائه.
أولا: الأمر المهم جدا والضروري جدا أن يكون هنالك نوع من الاتفاق والتوافق والتخطيط التعاوني ما بينك وبين زوجك من أجل السعي لإصلاح أمر الأبناء. وأعتقد أن أسلوب الحوار، الحوار الذي يتسم بالجدية ويتسم بالمعرفة هو أحد السبل الممتازة والفعالة ولكنها تتطلب الصبر. الذي أعنيه بالحوار هو أن تكون هنالك جلسة يومية مع الابنين، هذه الجلسة تركز على ما هو إيجابي لديهما، وبعد ذلك يتم النقاش حول السلبيات وكيفية إصلاحها دون أي نوع من التعانف أو القسوة أو الشدة، ومن الضروري جدا أن تبنى منظومة قيمية جديدة لهذين الابنين.
طريقة الاجتماعات الأسرية طريقة ممتازة وفعالة جدا، ولابد أن يكون هنالك تبادل للأدوار ما بينك وبين زوجك، بمعنى أنت تركزي على ذكر السلبيات مع عدم الانتقاد اللاذع، وفي نفس الوقت يقوم زوجك مثلا بالتحدث عن الإيجابيات وكيفية تدعيمها، هذه طريقة عملية وتسمى بالاجتماع الأسري الإرشادي.
الأمر الآخر: لا بد أن توضع ضوابط فيما يخص وقت الخروج والدخول إلى المنزل، وهذه الضوابط تكون عامة على جميع أفراد الأسرة، بمعنى أن يحدد وقت النوم، أن يحدد وقت الاستيقاظ، ولابد لكل فرد أن يلتزم به، هذه أيضا طريقة جيدة وربما لا تنجح من الوهلة الأولى، ولكن بالتكرار والإصرار سوف تكون فاعلة جدا.
ثالثا: إشراك هذين الابنين في قرارات الأسرة، فمثلا نجعل الابن الأكبر يشرف على كل شئون المنزل من مصروفاته وحاجاته إلى غير ذلك لمدة أسبوع حتى وإن كان يسيء استعمال المال، بشيء من التوجيه يمكن أن يصبح مدبرا وسوف يحس بكينونته ووجوده في داخل البيت، وفي الأسبوع الذي يليه تكون المسئولية على الابن الثاني مع إعطاء الابن الأكبر مسئوليات أخرى في مجال معين، مثلا أن يدرس ويراجع مع أخته الصغرى أو مع أخيه الأصغر، يراجع معهم الدروس، هذه أيضا فعالية مهمة جدا.
يبقى بعد ذلك أن نبحث لهما عن رفقة طيبة، أعرف أن ذلك ليس سهلا، ولكن الآن من أخطر ما يحدث من تصرفات سلبية لدى الكثير من الشباب يكون ناتجا من تأثير الرفاق ونعرف أن ما يسمى بضغط الزمالة والزمر من أكبر الوسائط التربوية التي يمكن أن تكون صالحة ويمكن أن تكون طالحة جدا.
فأيتها الفاضلة الكريمة: يجب أن يبحث عن رفقة جديدة، يمكن الاستفادة من أبناء الجيران، من بعض الأقرباء، وبصورة لاشعورية يمكن أن تتحدثوا مع بعض زملائهم من المعقولين في تصرفاتهم، وهذا إن شاء الله يجعل هؤلاء الأصدقاء يحملون رسالة وقيم تربوية مخالفة تفيدهم وتفيد الأبناء.
موضوع الصلاة، أعتقد أن موضوع الصلاة دائما يتطلب الرأفة، يتطلب الكلمة الطيبة، أن تقولي له: (يا بني، ما أجمل أن تصلي، يا بني هذا هو ماء الوضوء فما رأيك أن تتوضأ، أحضرته لك أنا بنفسي) هذه المناهج طيبة، وتتطلب الصبر.
بعد ذلك نحاول أن نشعر هؤلاء الأبناء بأن الأمل كبير جدا في التغير، وأن المستقبل لهما، ويجب أن يناقش موضوع الدراسة، ويجب أن يكون هنالك اجتهاد هذه كلها حقيقة أساليب طيبة وفاعلة.
يجب أن ينصح هؤلاء الأبناء أيضا بأن ينضموا لبعض المؤسسات الشبابية أو الرياضية، هذه تمتص الكثير من الطاقات السالبة لدى الشباب وتبني طاقات ومحددات تربوية جديدة، كيفية أن يقضوا وقتهم هذا يتطلب أيضا أن نساعدهم في ذلك. الجلوس معهم مثلا لمشاهدة بعض الأشياء الجيدة التي تعرض في التليفزيون من وقت لآخر، أن تتناول الأسرة الطعام مع بعضها البعض، أمور بسيطة ولكنها مهمة جدا.
هذا هو الذي أستطيع أن أقوله، وعليك بالدعاء لهما، وسلوا الله أن يصلح أمركم كأسرة، وأن يجعل أبناءكم من الصالحين ونسأل الله تعالى أن يصحح هذا المسار الخاطئ الذي انتهجاه، والإنسان يمكن أن يتغير ويمكن أن يتبدل، ويجب أن لا نيأس أبدا، يجب أن نحاول ونحاول وندعو، ولا أعتقد أن الشدة سوف تفيد.
المنظومة القيمية الإيجابية يمكن أن تغرس ويمكن أن تزرع، ولكن هذا لن يتم إلا بالصبر والتفهم والحكمة والحوار، والتشجيع والترغيب والتوجيه الإيجابي، وبالله التوفيق.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.