الزوجة بين أوامر أمها وطاعة زوجها

5 669

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة متزوجة، أحب زوجي حبا جما صادقا من كل قلبي، وأسعى جاهدة لكسب قلبه وإرضائه، إيمانا مني أنه جنتي، أي أنه سيكون سببا لي لدخول الجنة بإذن الله تعالى، وهو كذلك يحبني من قلبه وملتزم بواجباته الدينية وذو أخلاق عالية معي ومع غيره، يعاشرني بالمعروف والإحسان، سخي يسعى دائما لتلبية رغباتي ورغبات أطفالنا، إنه نعم الزوج الصالح الطيب -ولله الحمد- على الدوام.

أملي وهدفي أن أسعده وأطفاله بكل ما أملك من قوة، أريد أن يكون زوجي راضيا عني طمعا أن أدخل الجنة بإذن الله.

مشكلتي تكمن في تدخل أمي في حياتي، وخصوصا في الآونة الأخيرة، لا أعلم من يدفعها، وما السبب، أم وسوس لها الشيطان الرجيم، أمي سامحها الله تجبرني على طاعتها وعصيان زوجي، وهي تقول: إن ذلك من البر! تريدني أن أتمرد على زوجي الذي أحبه بدون سبب، تدعي أن المرأة لن تسعد إذا استسلمت لزوجها وعصت أمها التي ولدتها وربتها صغيرة، وأنا أقول لها برفق وليونة: كيف لي أن أعصي زوجي بدون سبب والله تعالى أوجب طاعته علي؟ وهي تقول: إن الله تعالى كذلك أوجب على الأولاد طاعة الوالدين.

أعلم أن الله أوجب علي طاعة زوجي ووالدي في المعروف وأن ما تسعى إليه أمي -سامحها الله- ليس من المعروف في شيء، زوجي لا يعلم من الأمر شيئا، ولا أريد أن أخبره؛ لأنه يحترم أهلي وهو يذكرهم دائما بالخير.

علما بأن أمي -سامحها الله- من الجيل الأمي، لم يسبق لها الذهاب إلى المدرسة، أما أبي فهو إنسان هادئ واع لا يتدخل في حياتي ويحث أمي أن تعدل عما تقوم به في حقي، وأنه غير جائز شرعا أن تخلق لي مشاكل في حياتي وأن تمس سعادتي، ويقول لها أنني لم أعد فقط بنتهم، إنني أصبحت زوجة وما علي واجبات والتزامات.

أنا دائما أقول لها: إن المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب، وهذه شريعة ربنا الحكيم العدل، فما هو حكم من يفرق بين زوج وامرأته خاصة أنهم متحابون لكن الأم تريد تفرقتهم بخلق المشاكل بينهم؟ وما هو السبب الذي يدفعها لهذا العمل؟ وكيف يجب على البنت أن تتعامل مع مثل هذه الأم الأمية الجاهلة للعلم الشرعي؟ وما هي حقوق أمي علي بعد زواجي؟ ومن هو أحق علي زوجي وأولادي أم أمي؟!

أريدكم أن توجهوا خطابا لها عسى الله أن يهديها، ودمتم في حفظ الله ورعايته يا أهل العلم والبصيرة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ مسلمة محتارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك، وأن يعينك على إكرام زوجك والإحسان إليه، وأن يوفقك لتربية أبنائك تربية طيبة مباركة، وأن يجعلك وزوجك من أهل الجنة، كما نسأله تبارك وتعالى أن يغفر لأمك وأن يتوب عليها وأن يبصرها بالحق، وأن يردها عن غيها، وأن يهديها صراطه المستقيم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه ومما لا شك فيه أن الله تبارك وتعالى أمر الأبناء بالإحسان إلى الآباء، وإكرامهم، والصبر عليهم ومعاملتهم بالمعروف، ولذلك لم يأمر الله الآباء بالإحسان إلى الأبناء لأنهم فطروا وجبلوا على محبة الخير لأبنائهم، فالأم تقدم ما تقدم لا تريد من أبنائها جزاء ولا شكورا، وكذلك الأب.

ومن هنا نجد أن الله تبارك وتعالى أوصى الأبناء بالآباء ولم يوص الآباء بالأبناء؛ لأن الآباء لا يحتاجون إلى وصية، أما الأبناء فهم الذين يحتاجون إلى الوصية، ولذلك أوصانا الله تبارك وتعالى في القرآن في عدة مواضع بالإحسان إلى الوالدين، ومن أبرز ما ورد في ذلك قوله تعالى: (( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ))[الإسراء:24]، وقال أيضا: (( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ))[لقمان:15].

هذه بعض النصوص القرآنية التي وردت في بيان حق الوالدين على الأبناء، إلا أن هذا الحق لا يقتضي أبدا بحال من الأحوال أن تكون الأم سببا في إفساد حياة أبنائها وبناتها وأن تتدخل تدخلا يؤدي إلى إحداث شرخ في الأسرة أو ضياع أو قضاء على سعادتها واستقرارها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن هذه الطاعة التي طالبنا بها القرآن ليست على إطلاقها، وإنما قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وقال صلى الله عليه وسلم كذلك: (إنما الطاعة في المعروف).

فيجب عليك أن تطيعي أمك إذا أمرتك بالمعروف فقط، أما إذا أمرتك بمعصية الله أو إذا أمرتك بشيء يتعارض مع شرع الله فلا سمع ولا طاعة، وتكون في هذه الحالة شأنها شأن غيرها، وإذا أجبتها فيما تطلبه من معصية الله تعالى أو مخالفة أمر زوجك فإنك بذلك تكونين عاصية؛ لأن الله الذي أمرك بالإحسان إلى الوالدين وإكرامهما، أمرك أيضا بطاعة زوجك والإحسان إليه والصبر عليه وأن تكوني له كالأمة حتى يكون لك كالعبد أيضا، وأمرك الله تبارك وتعالى بالإحسان إليه غاية الإحسان، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (عليك به فإنما هو جنتك ونارك)، وأخبرنا أيضا أن (أيما امرأة باتت وزوجها عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح)، وأخبرنا أيضا أنه (أيما امرأة باتت وزوجها عنها راض رضي عنها الله)، فحق الزوج أقوى من حق الوالدين في الحياة الزوجية، وحق الوالدين إذا كان الإنسان معهما ولم يرتبط بأحد أقوى من جميع الحقوق بعد حق الله تعالى.

وأنت الآن زوجة لرجل وأم لأبناء، أصبح الواجب عليك أولا أن تقدمي طاعة زوجك على طاعة والديك في جميع الأحوال، ما دام لا يأمر بمعصية، ولا يأمر بقطيعة رحم أو إثم، ولذلك لا ينبغي عليك أبدا بحال من الأحوال طاعة أمك في ذلك، وليس من حق والدتك أبدا أن تصدر تعليمات أو أوامر لإفساد العلاقة بينك وبين زوجك، أو لتعينك على التمرد عليه؛ لأن هذا أمر ليس بحلال ولا جائز شرعا، ولذلك يجب عليك أن تخالفيها فيما تذهب إليه من الأمور التي تطلبها منك التي تتعارض مع واجب الطاعة الذي جعله الله فرض عين عليك تجاه زوجك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذا من حق الرجل على امرأته، وهذا عندما بين النبي عليه الصلاة والسلام صفات المرأة الصالحة بين أن من أهم صفاتها أنه إذا نظر إليها زوجها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في عرضها وماله، وأيضا قال: (إذا صلت المرأة فرضها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحصنت فرجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت).

ففي الحياة الزوجية تكون طاعة الزوجة لزوجها أهم وأولى من طاعتها لأهلها، خاصة إذا كانت هذه الطاعة لأهلها ستكون على حساب طاعتها لزوجها؛ لأن الحقوق تختلف باختلاف الزمان والمكان، ما دمت أنا بين والدي فطاعة والدي مقدمة على كل أحد.

أيضا شريطة أن تكون بالمعروف، فإذا انتقل الإنسان إلى حياة زوجية أصبحت طاعة المرأة لزوجها مقدمة على طاعتها لوالديها؛ لأن هذا هو حق الزوج على زوجته، كما بينه الله تبارك وتعالى. ولذلك أقول: لا تطيعي أمك فيما تذهب إليه وفيما تطلبه منك، وجزى الله والدك خيرا أنه رجل حكيم وعاقل، ويبين فعلا أنك أصبحت الآن لست مجرد ابنة لهما، وإنما أنت أم وزوجة، فينبغي عليك أن تحافظي على ذلك.

وأقول لأمك الكريمة الفاضلة: إن الأم تفرح إذا وجدت ابنتها مستقرة، وإذا وجدتها سعيدة، وإذا وجدت زوجها يعاملها بالمعروف ويحسن إليها، وإني لأعجب فعلا كيف تفكر هذا التفكير الشيطاني الذي يترتب عليه إفساد العلاقة ما بين ابنتها وما بين زوجها، إن هذا أمر يتعارض مع الفطرة، ويتعارض مع الدين، ويتعارض مع العرف، ومع التقاليد، فكل النساء الطبيعيات يرغبون أن تكون بناتهن في قمة الاستقرار والتفاهم مع أزواجهن، وعلى العكس الأم العاقلة الواعية عندما تسمع بوجود أدنى خلاف ما بين ابنتها وزوجها فإنها تنزعج لذلك انزعاجا شديدا؛ لأنها تخشى أن يتطور الأمر وأن يحدث الطلاق -لا قدر الله- وأن تأتيها ابنتها مع أطفالها لتكون عبئا وعالة عليها ولا يقال عنها بأنها مطلقة.

بعض الأمهات الفضليات تقول: (ليس عندنا بنات تطلق) لماذا؟ لأنها ربت ابنتها تربية طيبة وتربية صالحة وعلمتها كيف تطيع زوجها وكيف تعامله بالمعروف، ولذلك تتباهى وتقول: (ليس في أصلنا ولا في أخواتي ولا في بيتنا منذ زمن طويل أحد يطلق) لماذا؟ لأن هذا البيت قد ربى أبناءه وربى بناته على الطاعة وعلى حسن عشرة الأزواج.

أما الأم التي لا يهمها ذلك بل وتسعى فيه فهي ليست طبيعية، بل إنها عدوة لنفسها وعدوة لابنتها، وأنا أقول وبكل قوة: لا تطيعي أمك أبدا في أي شيء يترتب عليه إحداث أي أدنى خلل في حياتك الزوجية أو أي أدنى تقصير في حق زوجك، وزوجك هو جنتك ونارك، وهو ربك أيضا، وهو سيدك الذي بين الله تبارك وتعالى ذلك في القرآن، وأمك جزاك الله خيرا تحسنين إليها وتطيبين خاطرها، ولكن حتى إن استمعت منها إلى أي كلام أو توجيه لا يخرج أبدا عن أن يكون كلاما لا قيمة له ولا وزن ولا تعبئي به ولا تخبري زوجك عن هذه التصرفات الشيطانية التي تمليها عليك أمك، لأنها ومما لا شك فيه ستعكر الصفو وتكدر الخاطر، وتسيء العلاقة ما بين زوجك وما بين أهلك، ونحن في غنى عن ذلك كله.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، كما أسأله تعالى أن يغفر لأمك وأن يتوب عليها، وأن يبصرها بالحق، وأن يعينها على فعل ما يرضيه، وأن يجنبها تلك التصرفات الشيطانية التي يترتب عليها إفساد حياتك وإغضاب مولاك وإساءة للعلاقة بينك وبين زوجك.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات