السؤال
أنا فتاة عمري 24 سنة، أرغب بالزواج من رجل متزوج ولديه أطفال، ولكن أهلي يرفضونه رغم أني أحبه ويحبني، والرجل ذو أخلاق ويخاف ربه، ويريد أن يتزوجني على سنة الله ورسوله، وأنا مقتنعة به، وهو متأكد بأنه سوف يعدل بيني وبين زوجته، وأنا مصرة عليه وأرفض الزواج من غيره، فكيف أقنع أهلي بالموافقة عليه؟! علما بأن أبي أتصل به وقال له: ليس عندي بنات للزواج.
فأرجو مساعدتي وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رشا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يسترك بستره الذي لا ينكشف في الدنيا ولا في الآخرة، وأن يمن عليك بكسب رضا والديك، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإن الإنسان عندما يحرم من شيء يحبه فإنه يشعر بنوع من الكدر والحزن والتعب وعدم الاستقرار، وهناك من يفعل كما تفعلين فيصر على رأيه، بل إنه قد يرفض الزواج من الشخص الذي قد يكون أفضل ممن يحبه؛ لأن كل فتاة تتمنى أن تعيش مع من تحبه، ويتمنى الرجل أن يعيش أيضا مع من يحبها، والحب شيء جميل ورائع، وهو من أهم عوامل استقرار النفس البشرية، فإن الله تبارك وتعالى جعل الحب جزءا لا يتجزأ من دينه، بل إن العبادة أصلها في حد ذاتها تقوم على غاية الحب والتعلق مع غاية الذل والخضوع، فالحب شيء جميل إذا وضع في موضعه، أما إذا وضع في غير موضعه أصبح سلاحا فتاكا مدمرا يؤدي بالإنسان إلى أن يقع فيما يغضب الله.
ولذلك لا أنكر أنك تحبين الرجل وأن الرجل يحبك، ولكن في نفس الوقت أيضا ينبغي أن تعلمي أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج بغير رضا وليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وقال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، وأيضا قالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: (لا تزوج نفسها إلا البغايا)، معنى ذلك أن المرأة التي تتزوج بغير ولي امرأة ليست صالحة وليست على شيء، وامرأة سيئة، وجمهور العلماء على أن زواجها باطل كما ورد في كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
فإذا أردت أن تحسمي هذه المسألة فابدئي بإقناع أهلك، ومن حقك أن تؤثري عليهم عن طريق بعض الصالحين وبعض الوجهاء من أهل المنطقة التي أنت فيها، ومن الممكن أن تستعيني ببعض أئمة المساجد أو بعض أقاربك سواء كانوا من الأعمام أو الأخوال أو غيرهم ممن لهم تأثير على أسرتك، وحاولي إقناعهم عبر هذا الطريق؛ لأن ما تفعلينه على عكس ما يريدون، هم يريدون لك زوجا غير متزوج حتى تسعدي وتستقري ولا يريدون لك أن تكوني ضرة أو تكوني امرأة على امرأة سابقة لك، لأنهم يعلمون أن هناك مشاكل كثيرة.
ونحن نؤمن بأن التعدد شرع الله تبارك وتعالى، ولكن معظم الأسر ينظرون إليه على أنه شيء غير طبيعي وذلك للآثار المترتبة عليه؛ لأن المرأة الآن من حقها أن تعيش مع رجل كامل يكون لها وتكون له، أما أن تعيش مع نصف رجل وأن يكون لديه أطفال ويرون بأن هذا الرجل قد لا يستطيع أن يسعدها وقد يكون مشغولا بأولاده، أو قد يكون فقيرا، والتعدد في حد ذاته رحمة بالمرأة قبل أن يكون منفعة للرجل، ولذلك عليك بداية بالاستعانة ببعض الأخيار والصالحين من أهل منطقتك، سواء كانوا من أئمة المساجد أو بعض الوجهاء أو الأعيان أو بعض المسئولين الكبار لديكم، ليتكلموا مع والدك أو مع أهلك في هذه المسألة، فإن اقتنعا بكلامهم فهذا ما نتمناه وعلى بركة الله.
وإذا لم يقتنعا فلا يجوز لك أولا أن تتزوجي به دون علمهما، وثانيا أن حبك له وتعلقك به واتصالك به يعتبر محرما شرعا إذا ترتب عليه شيء كالخلوة أو مس اليد أو الجسد؛ لأن هذا كله حرام لا يرضي الله ولا يوافق هدي نبيه عليه الصلاة والسلام، وثالثا: أن رفضك لمن يأتيك من الصالحين حرام شرعا؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، فلو تقدم لك إنسان كفؤ ورفضته لتعلقك بهذا الشخص فقد أوقعت نفسك في الحرج الشرعي.
وإذا لم يستجب أهلك لرغباتك ولم يقبلوا هذه الوساطة فينبغي عليك أن تتوقفي فورا عن هذه العلاقة، لأنها أولا -كما ذكرت- ستكون علاقة غير مشروعة، وهي الآن غير مشروعة فعلا، والأمر الثاني أنها ستدمرك؛ لأنها ستفوت عليك فرصة الزواج بالرجل الكفء؛ لأن الزواج ليس مجرد ارتباط رجل بامرأة، وإنما الزواج ارتباط أسرة بأسرة، ارتباط عائلة بعائلة، ارتباط قبيلة بقبيلة، ومن حق أهلك أن يكون لهم رأي أيضا، ولذلك أعطاهم الشرع هذا الحق، فإذا لم يقبل أهلك الزواج من هذا الأخ فينبغي عليك أن تتوقفي فورا عن هذه العلاقة، وأن تتوبي إلى الله وأن تستغفريه، وأن تتضرعي إلى الله عز وجل أن ينسيك هذه العلاقة لأنها أصبحت علاقة فاشلة، وأيضا إلى متى سوف تنتظرين؟ إذا كان أهلك الآن حاولت معهم عدة مرات طيلة الفترة السابقة ولم يقبلوا، أقول: حاولي مرة ومرتين وثلاثا وأربعا وعشرا ليس هناك مانع، كلما وجدت إنسانا له كلمة عند والدك وله تأثير عليه استعيني به بعد الله تعالى، وعليك بالدعاء والتوجه إلى الله تعالى أيضا أن الله يشرح صدر والدك.
فإذا لم تجد هذه المسائل نفعا فأنا أرى أن تتوقفي عن هذه العلاقة، حتى لا تستمري في معصية الله، فاحتمال أن تكون هذه العلاقة الآن غير مشروعة ترتب عليها أن الله حرمك من هذا الرجل، ولذلك عليك أن تتقي الله إذا لم يوافق أهلك على الوساطات والشفاعات التي سوف تتقدمين بها إليهم، وابدئي في استقبال من يتقدم إليك من الصالحين المناسبين والأكفياء، لعل الله أن يجعل لك نصيبا في غيره، فالله قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومن هذه الأرزاق الزواج، فقد يكون هو ليس من نصيبك أبدا، وقد تكونين لست من نصيبه، وقد يكون من نصيبك بعد سنوات.
فابحثي الآن عن وساطة حسنة تتدخل بينك وبين أهلك، إذا وافقوا فبها ونعمت، وإذا لم يوافقوا فاقطعي علاقتك معه، وتوبي إلى الله واستغفريه، وابدئي حياتك من جديد، لعل الله أن يمن عليك بمن هو خير منه وأفضل وأنت لا تعلمين؛ لأن الإنسان منا لا يعرف الغيب، والله يقول: (( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ))[النساء:19]، وأتمنى أن تستمعي لكلامي بقلبك وعقلك، وألا تستمري في المسيرة في الطريق المخالف، إذا لم يوافق أهلك فيجب عليك أن تتوقفي؛ لأن هذا لا يجوز لك شرعا لأنه خيانة للأمانة وخيانة للوالدين، وفي نفس الوقت أيضا معصية لله؛ لأن هذه العلاقات عادة ما يترتب عليها الكثير من التجاوزات.
نسأل الله تعالى أن يسترك بستره الذي لا ينكشف، وأن يغفر لنا ولك، وأن يتوب علينا وعليك، وأن يعينك على تجاوز هذه المحنة، وأن يحقق آمالك ورغباتك، وإلا فليغفر لك وليتوب عليك وليمن عليك بمن هو أفضل منه.
وبالله التوفيق.