السؤال
أنا أعمل في شركة مبرمج حاسب آلي، وفي الفترة الأخيرة بدأ المدير يوجه مشاكل وضغوطات علي في سبيل إذلالي، وذلك لما لي من نشاط كبير أدى إلى انزعاجه من سماع صاحب الشركة بنشاطي، ولكن عندما تشاجرت مع المدير استدعتنا الإدارة وقالت لي: عليك ألا تخالف مديرك، وأنا أعلم أنهم يقولون ذلك للحفاظ على هيبة المدير، وطلبت من مديري نقلي لقسم آخر فقال: ممنوع؛ وذلك ليتسنى له إذلالي مرة أخرى، وأنا الآن متعب نفسيا جدا ولا أشتهي العمل، ولم أجد فرصة عمل أخرى بعد بحثي المستمر.
فقولوا لي ماذا أفعل؟ وكيف أريح نفسيتي؟ فوالله إني تعبان.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ باسل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك توفيقا وسدادا، وأن يصلح ما بينك وبين مديرك وزملائك في العمل، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإنه وكما لا يخفى عليك أن كل ذي نعمة محسود، وأن الشخص المتميز يكثر دائما أعداؤه؛ لأن معظم الناس يعيشون حياة عادية ولا يحبون أن يتميز أحد عليهم؛ لأن المتميز يسبب نوعا من الإزعاج للأشخاص العاديين الذين لا يعرفون التميز ويخافون على أن يهدد مركزهم ومكانتهم، وهذا أمر طبيعي – مع الأسف الشديد – في بلاد العرب خاصة، وإن كان لا يوجد مثله في بلاد العجم إلا قليلا، نشعر دائما بأن المتميز يشكل خطورة وتهديدا على الأشخاص العاديين التقليدين الذين ليست لديهم القدرة على تطوير أنفسهم ولا على النهوض بمهاراتهم وقدراتهم، ولذلك ما إن يظهر شخص بين هذه المنظومة إلا ويناصبه الجميع العداء؛ لأنه سيظهر ضعفهم ويظهر قلة حيلتهم وعدم مقدرتهم على التميز مثله.
هذا أمر طبيعي أخي الكريم باسل، ولذلك ليس لك حقيقة من حل في هذه المسألة إلا الدعاء أولا أن يصلح الله تبارك وتعالى ما بينك وبين مديرك؛ لأن قلوب العباد كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء)، فعليك بالدعاء أن يصلح الله ما بينك وبين مديرك، إذ إن المدير غالبا ما يكون محل ثقة لصاحب الشركة، وصاحب الشركة قد يكون مستريحا له ويقول: ليس من المعقول أن أقبل كلام موظف في مدير كبير جربناه لسنوات طوال. وقد يكون الأمر على خلاف ذلك، ولكنها الحقيقة المرة التي نعيشها في معظم بلاد العالم العربي مع الأسف الشديد.
أقول لك: عليك بالدعاء أن يصلح الله ما بينك وبين مديرك.
ثانيا: أقول لك أخي الكريم: حاول أن تتقرب من المدير وألا تشن حربا عليه وألا تواجه إساءته بالإساءة وألا تواجه خطأه بخطأ، وإنما حاول أن تظهر تعاطفك معه وأن تقدر ظرفه، لأنك حقيقة تشكل له تهديدا خطيرا بينا واضحا عندما تكلم صاحب الشركة عن إنجازاتك وعلى أنك أفضل من مديرك، فقطعا هو الوحيد المتضرر من هذا الكلام، ولذلك سيسن كل سهامه وسيوفه للقضاء عليك؛ لأنك تهدد مركزه وتهدد بالتالي وظيفته، وهو قطعا لن يسمح لك بذلك.
لذلك أقول: بدلا من هذه الحرب المستعرة التي ستكون أنت الخاسر الوحيد فيها أريدها أن تكون على الأقل حربا باردة، هدوء وعدم إثارة المشاكل، ولا مانع أن تسند هذه الإنجازات للمدير بنفسك، بأن تجعل هذه كما لو كان هو الذي يفعلها، وأن تجعل هذا التميز كما لو كان من إنجازه، فما دمت قد بحثت عن فرصة عمل أخرى ولم تجد فليس أمامك من خيار إلا أن تصبر حتى يجعل الله لك فرجا ومخرجا، ولا أريدك حقيقة أن تظل في موقع الندية منه، وإنما حاول أن تغير طريقة تعاملك معه، فإذا كنت لا تسلم عليه فحاول أن تسلم عليه، وإذا كنت لا تزوره فحاول أن تزروه في مكتبه، وحاول أن تشاركه - بارك الله فيك – في أي مناسبة من المناسبات التي تراها تسعده وتدخل السرور عليه، وحاول أن تعمل من خلاله وأن تسأله عن رغباته وعما يريده منك، واجعل الأمر كما لو كان له؛ لأنك ليس أمامك حقيقة من خيار، ثم بعد ذلك أيضا حتى وإن ظهر هناك من عيب فيه فحاول أن يكون الأمر بينك وبينه، ولا تشهر به ولا تتكلم فيه أمام أحد من زملائك.
هذا التصرف لا يجعلك بحال تتوقف عن إنجازاتك، لأنك لو ضعف أداؤك في العمل وقل نشاطك فسيكون هذا فرصة ذهبية له للتخلص منك بحجة أنك أصبحت كسولا وأنك أصبحت لا تعمل وأنك أصبحت لا تصلح للعمل، فأنا لا أريدك أن تتاكسل أبدا، وإنما عليك أن تواصل نشاطك وأن تواصل تميزك، ولكن في نفس الوقت حاول أن تكسب قلبه وأن تتودد إليه، ودعك من كلمة (يحاول إذلالي)؛ لأن هذه الكلمة قد تكون من تصورك أنت، فقد يكون الرجل لا يريد ذلك أصلا، ولكنك قد تفهم ذلك نتيجة تميزك، فتظن أن كلامه لك أو أن توجيهاته لك تحمل هذه السمة، حتى وإن كانت كذلك فحاول أن تلغي هذه الفكرة وأن تعتبر كلامه مجرد قرارات إدارية يقولها أي مدير لموظفيه.
أقول: لا أريدك أن تستمر في هذه الحرب لأنك مع الأسف قد تضحي بك الشركة وتحتفظ بمديرها حتى وإن كان فاشلا، ونسأل الله السلامة والعافية، ولذا أقول لك: عليك بالدعاء أن يصلح الله ما بينك وبينه، وحاول ألا تواجهه ولا تجابهه أبدا أمام أحد من زملائك، واجتهد في أن تدخل السرور على قلبه بمشاركته في المناسبات، وحاول أن تتودد إليه وأن تتقرب منه ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وكن صادقا وناصحا له بما يرضي الله تعالى، وإذا كانت لديك ملاحظات عليه فلتكن فيما بينك وبينه، واسأله دائما عما يريد أن ينجزه من الأعمال وقم بتنفيذ أوامره كما لو كانت هي له.
وكما ذكرت: لا تحاول أن تتكلم عن إنجازاتك أمام أحد، وإنما دعه هو الذي ينسبها لنفسه، وأنا واثق من أنك لو سلكت هذا المسلك الهادئ والمسلك الرزين والمسلك المتعقل فسوف تكسب الجولة كلها بإذن الله تعالى.
واعلم - أخي الكريم – أنه مهما كان سلطان المدير فلن يستطيع أن يحجب الشمس من أن يراها الناس، ولكن لا أقل أن تخرج الشمس وأن يكون هو مساهما في إخراجها وأن يكون موزعا إشعاعها على الناس، أما أن تخرج الشمس لتحرقه فثق وتأكد من أنه لن يسمح لك ولا لغيرك بأن تحرقه أبدا، فأرجو أن تلتمس له العذر وأن تبحث عن طريقة أخرى للتفاهم معه، وأعظم طريقة إنما هي الحوار والتواضع والتنازل عن بعض الشيء، وعدم إشعار نفسك بأن هذا إذلال، وكن موجودا معه في القسم إلى ما شاء الله تعالى، خاصة بأنه يرفض نقلك إلى مكان آخر، ولكن مع الدعاء والدعوة أنا واثق - إن شاء الله تعالى – بأنك بهذا الأسلوب الحسن قد تتاح لك الفرصة أن تكسب قلبه بالكلية أو أن يسمح لك بأن تنتقل لقسم آخر، وبذلك سوف تنتهي مشاكلك نفسيا.
ابدأ بتغيير أسلوبك وتغيير سلوكك، واستعن بالله، وأنا واثق من أنك ستكسب الجولة كلها أولا وآخرا بإذن الله تعالى.
مع دعواتنا لك بالتوفيق والسداد، وأن يحقق الله لك أمنيتك وأن يزيدك رشدا وثباتا وصوابا وتأييدا.
هذا وبالله التوفيق.