السؤال
ينتابني شعور غريب يدفعني للقيام بما تشتهيه نفسي، مما يؤدي إلى تفريطي في صلاتي وأدائها مؤخرا، مما يزيد من تعب نفسي بداخلي؛ لأني أعلم أن هذا ذنب ليس بهين، وأعتقد أن السبب هو هجرتنا من بلدنا إلى بلاد غريبة، وحاجتي إلى الحنين الذي أفتقده من والدي، وقلة الأصدقاء المخلصين، ولا أريد أن أخبر أهلي بذلك؛ لأنهم بعيدون عن أي تقصير، فكيف أسيطر على شهوات نفسي، وكيف أتحكم بها؟ وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام الحصناوي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يثبتك على الإسلام والدين، وأن يعينك على فعل ما يرضيه، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل كيد وبلاء.
وبخصوص ما ورد في رسالتك: فكم كنت أتمنى أن تذكر سنك؛ لأن السن له دور مهم في سلوك الإنسان، وعموما فإن من شؤم المعصية عدم التوفيق للطاعة، فإن العبد إذا وقع في معصية حرم التوفيق للطاعات؛ لأن من علامات قبول الطاعة أن تأتي بعد الطاعة طاعة، ومن شؤم المعصية أن المعصية تنادي أختها ولا تكتفي بنفسها، ولذلك تحاول أن تفسد الطاعات الأخرى حتى يكون الجو كله موبوءا، وعليه فإن الإنسان إذا لم ينتبه لنفسه فسد كل ما حوله.
والسبب في توتر صلاتك وعدم أدائها هو المعاصي، فهذه الشهوات الجامحة التي بدأت تسيطر عليك وملأت عليك تفكيرك وعقلك وقلبك ودنست الجوارح جعلتك عندما تطلب من الجوارح أن تؤدي الصلاة تجد أن قلبك قد مرض؛ لأن المعاصي خطرها على القلب أعظم من خطر السموم على الأبدان، فكما أن الإنسان إذا أكل شيئا مسموما أو شرب شيئا مسموما قد يتعرض للهلاك كذلك القلب إذا دخلت عليه المعاصي يتعرض للهلاك؛ لأن القلب قوته في الطاعة والأعمال الإيمانية، والذي يفسده ويدمره إنما هي المعاصي. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إياكم والمعاصي! واعلموا أن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه). فالمعصية تمنع الرزق من النزول، وتمنع البركة من الأرزاق، وتمنع السعادة الحقيقية؛ لأن الإنسان يعيش في سعادة وهمية مصطنعة نتيجة الغرق في الشهوات، ولكن بعد أن ينتهي من المعاصي يشعر بأنه حزين؛ لأن المعصية يعقبها ظلمة في القلب والوجه، وكآبة في النفس وعدم راحة، على عكس الطاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الصلاة: (أرحنا بها يا بلال)!
ولابد لك من وقفة حتى تسيطر على شهواتك؛ لأن هذه القضايا الخاصة لن يعالجها أحد بعيدا عنك، وإنما لابد من أخذ قرار شجاع وقوي بالتوقف عن المعاصي، خاصة وأنك قد خرجت من مجتمع مغلق إلى مجتمع مفتوح، ومن مجتمع محافظ إلى مجتمع لا يعرف شيئا عن المحافظة، ومن مجتمع يعرفك من الجيران والزملاء في المدرسة والأصدقاء والأصحاب وأهل الحي كلهم يعرفونك إلى مجتمع لا يعرف أحد فيه أحد، مما يجعل النفس التي كانت تشعر بنوع من الضوابط في البيئة الأصلية تنطلق على مصراعيها، وتفعل ما يحلو لها، وكأنها فرصة لن تفوت، وينبغي أن لا تفوت.
وإذا لم تتخذ موقفا حازما حاسما من داخل نفسك فلن تتوقف، وسوف يترتب على هذه المعاصي بعد من الرحمن وغضب، وحرمان السعادة والأمن والأمان والاستقرار، والحرمان من الجنة. فانظر إلى إبليس لعنه الله عصى الله معصية عظيمة، فصار مبعدا بعد أن كان مقربا، وصار عدوا بعد أن كان حبيبا.
فعليك أن تضع لنفسك برنامجا محددا يوميا، هذا البرنامج لا تدع فيه مجالا للشهوات؛ حتى ترد نفسك إلى الخير. وصلاة الفجر والصلاة في وقتها شيء ضروري، ثم بعد ذلك أذكار الصباح وأنت جالسا في مكانك، وإذا كان عندك ورد من القرآن وهكذا، فرتب الجدول يوميا بدقة، ولا تترك أي ثغرة لهذه الأشياء، وإذا كنت تدخل على الإنترنت فأغلق الإنترنت، وأخرجه من غرفتك الخاصة إلى وسط الشقة أو وسط البيت، ولا تجلس عليه وحدك؛ حتى لا تضعف أمام الشيطان وأمام رغبات نفسي الأمارة بالسوء.
وابحث عن الصاحب الصالح وابتعد عن الصحبة الفاسدة، وإذا كان عندكم مركز إسلامي مجاور لكم فاربط نفسك به، وسوف تتعرف من خلاله على بعض الصالحين الذين يكونون عونا لك على الطاعة وعلى الاستقامة، وعلى تقليل حدة الشهوات والإكثار من الطاعات، وابدأ في برنامج حفظ القرآن الكريم ولو بمعدل كل يوم آية أو آيتين أو ثلاث، وابدأ في تعلم دينك؛ لعلك أن تكون داعية إلى الله في هذه البلاد، واجتهد في طلب العلم الشرعي، واطلب من أمك وأبيك أن يكثرا من الدعاء لك بالثبات والاستقامة، واجتهد في عدم مجادلة الوالدين، وحاول كبت جماح نفسك، ولا تطلق لها العنان أن تتمرد على والديك؛ لأن هذا أمر قد يسخط الله عليك، ويسقطك من عين الله تعالى، ويجعل والديك غير راضيين عنك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
والله الموفق.