السؤال
والدي غاضب من أخي وقد طرده من البيت منذ فترة وفي يوم غضب مني ومن أخي الأكبر مني لأنه عتقد بأننا كنا مع أخينا المطرود وكان أبي بحالة نفسية سيئة وغاضب جدا منا وهو أصلا عنده القلب وارتفاع الضغط والسكر وفي ذلك اليوم سألنا إن كنا مع أخينا أو لا فأنكرنا ذلك، ولكنه لم يقتنع فأحضر المصحف وطلب منا وضع أيدينا على المصحف وأن نحلف بأننا لم نره ففعلنا خوفا منا عليه، ونحن نادمون على ما فعلنا ويعلم الله أننا ما فعلنا ذلك إلا اتقاء لغضبه، فماذا نفعل؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن الحلف على الكذب ذنب عظيم وإثم كبير، ولا سيما إذا كان مغلظا بإحضار المصحف والحلف عليه، ومن حلف بالله كاذبا متعمدا فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه.
وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان {المائدة:89}، ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالا للنصوص كلها، وخروجا من خلاف أهل العلم، ولأن موجب التوبة والكفارة قائم، فلا يغني أحدهما عن الآخر، والله آعلم.
أما بالنسبة للحلف على الكذب فقد رخص فيه فيما إذا تعين للوصول إلى حق أو لدفع ضر بحيث لا يتحقق ذلك بدون الكذب، والدليل على جواز الكذب في هذه الحال حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا. متفق عليه.
وبما أنك ذكرت أن أباك كان في حالة نفسية سيئة، وأنه في الأصل مصاب بمرض القلب وارتفاع الضغط والسكري، وأنكما ما حلفتما إلا خوفا عليه من تفاقم أزمته... فليس من شك في أن هذه مصلحة تلزم مراعاتها من الأب، وبالتالي فلا نرى عليكما ذنبا فيما صدر منكما من اليمين، وكان عليكما أن تستعملا التورية في اليمين بأن تتلفظا بكلام يحتمل أكثر من وجه، فتقصدون شيئا ويفهم السامع شيئا آخر، وفي هذا المقام لو قلتم: ما رأيناه تقصدون لم نصب رئته بضرب ونحوه فهذا من التورية، وعليكما الآن أن تكفرا عن يمينكما احتياطا كما قدمنا.
والله أعلم.