السؤال
ما حكم من حفظ قدرا كبيرا من القرآن ثم نسيه، فهل ينطبق عليه قول الله (ونحشره يوم القيامه أعمى)، مع العلم أنه حفظه ونسيه قبل أن يبلغ وهو في المرحلة الإعدادية؟
ما حكم من حفظ قدرا كبيرا من القرآن ثم نسيه، فهل ينطبق عليه قول الله (ونحشره يوم القيامه أعمى)، مع العلم أنه حفظه ونسيه قبل أن يبلغ وهو في المرحلة الإعدادية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن حفظ القرآن ينبغي له أن يتعاهده حتى لا يتفلت منه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: تعاهدوا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها. رواه الشيخان.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن نسيان القرآن كبيرة من الكبائر، قال الحافظ في الفتح: واختلف السلف في نسيان القرآن فمنهم من جعل ذلك من الكبائر، وأخرج أبو عبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفا قال: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله تعالى يقول: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. ونسيان القرآن من أعظم المصائب، واحتجوا أيضا بما أخرجه أبو داود والترمذي من حديث أنس مرفوعا: عرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أوتيها رجل ثم نسيها. وفي إسناده ضعف، ومن طريق أبي العالية موقوفا: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه. وإسناده جيد. ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه، ويقولون فيه قولا شديدا.
وقال القرطبي: من حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظ، فإذا أخل بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد. انتهى بتصريف يسير.
وأما قوله تعالى: ونحشره يوم القيامة أعمى {طه:124}، فإنه وارد في الإعراض عن ذكر الله ومخالفة أوامره، ففي تفسير ابن كثير عند قول الله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال: ومن أعرض عن ذكري أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه، فإن له معيشة ضنكا أي ضنكا في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله؛ وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة... وقوله: نحشره يوم القيامة أعمى، قال مجاهد وأبو صالح والسدي: لا حجة له، وقال عكرمة: عمي عليه كل شيء إلا جهنم، ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضا. انتهى.
ولكن المعني بالأمر -إذا كان نسيانه للقرآن قد حصل قبل أن يبلغ الحلم- فإنه لا يعتبر داخلا في الوعيد المتقدم، لأن الصبي قبل البلوغ هو ممن رفع عنه القلم، لما في المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.
والله أعلم.