السؤال
قال ابن قدامة: في ضرب الرجال بالدف تشبه بالنساء، وقد لعن النبي المتشبهين من الرجال بالنساء (المغني 14/159)، فهل تراعى في الأحكام الشرعية التي لم يجعل الشرع لها حدا بعينها عادة وعرف زمن النبوة أم هي على حسب وعادات كل قوم وأعرافهم، هل يجوز إلزام وتطبيق أحكام شرعية يدخل فيها العرف والعادة على أهل زمان ليس لهم نفس العادات، أم هي تلزم أولئك القوم فقط، نفس الشيء في عادات زمن النبوة هل يلزم بها للغير. إذا عرف في بيئة عدم التفريق في الضرب بين الرجال والنساء وأنه لا يختص النساء به، فهل يجوز للرجال ضرب الدفوف في هذه الحالة، فأفيدونا أفادكم الله.
الإجابــة
خلاصة الفتوى:
ما كان مناطه العرف والعادة من الأحكام فالعبرة فيه بالعرف الحاضر، لا ما كان في عهده صلى الله عليه وسلم، أو عهد أصحابه الكرام، أو في عرف وعهد المجتهد.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جعل الشارع الحكيم مناط بعض الأحكام الشرعية هو العرف وعادة الناس، وما كان كذلك فهو يتغير بحسب الأعراف والعادات ولا يراعى فيه العرف وقت التشريع، ومن ذلك ما نهي عنه شرعا من تشبه الرجال بالنساء فيما يخصهن ويغلب كونه من شأنهن، ومن ذلك مثلا هيأتهن في اللبس والتنعل وترجيل الشعر والتحلي بغير النقدين ووضع الطيب.
وأما الدف فجمهور أهل العلم على جواز ضربه للرجال والنساء وعدم اختصاص ذلك بالنساء، لكن لو غلب اختصاصهن به في عصر ما أو مكان ما فضرب الرجال له حينئذ فيه تشبه بالنساء، وكذا لو تغير الحال فاختص به الرجال فضرب النساء له فيه تشبه بالرجال وهكذا.
ولمعرفة حكم ضرب الرجال للدفوف انظر الفتوى رقم: 43309.
وأما ما لم يكن مناط تحريمه أو إباحته العرف والعادة وإنما حرم أو أبيح بأصل الشرع ونصه للرجال أو للنساء أو لهما معا فلا تأثير للعرف حينئذ فيه كتحريم الذهب على الرجال وإباحته للنساء مثلا، فلو حدث عرف عكس ذلك فاستعمل الرجال الذهب فذلك لا يحرمه على النساء ولا يبيحه للرجال.
وفي ذلك يقول محمد مولود اليعقوبي:
وليس بالمفيد جرى العيد * بخلف أمر المبدئ المعيد
فالعرف إن خالف أمر الباري * وجب أن ينبذ بالبراري
ومما يمثل به للأمر المباح بأصل الشرع الفطر في القصر لأن الشارع لم ينطه بالمشقة التي كانت تحصل في عهده صلى الله عليه وسلم بالسفر وإن كانت هي مظنة ذلك التخفيف لكن لم يربط الحكم بها، فلا نقول اليوم لا يجوز الفطر لعدم المشقة وتغير الحال.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 27000، والفتوى رقم: 100074.
والله أعلم.