خلاصة الفتوى:
الإذن بالشيء هو إباحته، والوصية بالشيء إذن فيه . والإذن تصرف له أركان كالهبة. ولا مانع من وجود إيصاء مطلق بالشيء. ولا يصح القول بوجود بنوك لأعضاء الموتى.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
لقد وردت أسئلتك على النحو التالي:
1. ما مدلول الإذن؟
2. الإذن هل يعد وصية؟
3. هل يعد الإذن تصرفا من التصرفات كالبيع والهبة؟
4. إذا كان الإذن تصرفا فما أركانه؟
5. هل من الممكن أن يوجد من يأذن بأخذ أعضائه بعد مماته دون أن يحدد المستفيد، فيكون إذنه مطلقا، بحيث يزرع هذا العضو في جسد أي مريض دون تحديد له؟
6. كون الجواب بالإثبات يفتح الباب للقول بجواز أن تكون هناك بنوك لأعضاء الموتى.
وبما أن الأسئلة تتداخل فيما بينها فإن الجواب عليها سيكون مجملا، فنقول: إن الإذن في الشيء هو إباحته والسماح به. جاء في لسان العرب: أذن له في الشيء إذنا: أباحه له. واستأذنه: طلب منه الإذن. وأذن له عليه: أخذ له منه الإذن. يقال: ائذن لي على الأمير...
وجاء في لسان العرب أيضا: أوصى الرجل ووصاه: عهد إليه.. وأوصيت له بشيء وأوصيت إليه إذا جعلته وصيك. وأوصيته ووصيته إيصاء وتوصية بمعنى... والاسم الوصاة والوصاية. والوصية أيضا: ما أوصيت به... اهـ
هذا في المعنى اللغوي للوصية، وأما في الاصطلاح الفقهي فالوصية في عرف الفقهاء نوعان: أحدهما عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزمه بموته, والثاني عقد يوجب نيابة عن عاقده بعد موته.
والأولى وصية بجزء من المال على وجه التقرب، والثانية وصية برعاية شؤون من هم تحت رعاية الموصي شرعا.
ولا شك أنه لا يوجد في واحد من التعريفين الاصطلاحيين ما يشمل الوصية بالأعضاء.
وأما إذا أخذنا بالمدلول اللغوي للكلمة فإنا نجد أن الإذن والوصية يتفقان في بعض مدلول كل منهما ويختلفان في البعض الآخر.
ولو كان إذن الميت في نقل أعضائه هو المعتبر في المسألة وحده لكان لفظ الوصية أولى من الإذن.
ولكن الأمر بخلاف ذلك، فالمنصوص في كلام أهل العلم والذي في المجامع الفقهية وفي فتاوانا هو أنه يشترط في نقل الأعضاء أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته أو ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له...
وهذا يفيد أن لفظ الإذن أولى من لفظ الوصية؛ لأن الوصية لا يليق أن تطلق إلا في خصوص صاحب الأعضاء المنقولة، والإذن يصلح أن يطلق على جميع هؤلاء.
ولا شك في أن الإذن يعد تصرفا كالهبة وما أشبهها، وأركانه هي الآذن والمأذون له والمأذون فيه والصيغة.
وأما تشبيهه بالبيع فهو غير ظاهر.
ولا مانع –عقلا أو عادة أو شرعا- من أن يأذن المرء في الانتفاع بأعضائه بعد موته دون أن يحدد المستفيد، فيكون إذنه مطلقا، بحيث يزرع هذا العضو في جسد أي مريض دون تحديد له.
وهذا الجواب لا ينبغي أن يفتح الباب للقول بجواز أن تكون هناك بنوك لأعضاء الموتى؛ لأن نقل الأعضاء يجب أن لا يتجاوز فيه القدر المأذون به، ولأن القائلين بإباحته قد اشترطوا لذلك شروطا وضيقوا فيه تضييقا، ولأنه أيضا –كما قرره أهل الطب- لا يصح بعد الموت النهائي، وإنما يمكن الاستفادة من أعضاء الميت إذا أخذت منه وفي جسده بقية من الحياة، بأن يصل إلى ما يسمى في الطب بالموت الاكلينيكي أو الدماغي أو السريري...
ومن هنا يفتح موضوع آخر هو: هل يصح نقل الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الانسان وصحته قبل الموت النهائي؟ وقد اختلف في الجواب على هذا السؤال، والذي نقول به وهو ما يؤيده الدليل هو أن نقل الأعضاء في هذه الحالة لا يجوز!...
والله أعلم.