السؤال
قرأت الحديث التالي ولا أفهم كيف يمكن أن يقول النبي اكتب كما شئت، عن أنس رضي الله عنه أن رجلا كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عز فينا، يعني عظم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملي عليه غفورا رحيما، فيكتب عليما حكيما، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب كذا وكذا فيقول: أكتب كيف شئت، ويملي عليه: عليما حكيما، فيكتب سميعا بصيرا، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب كذا وكذا فيقول: أكتب كيف شئت، قال: فارتد ذلك الرجل عن الإسلام فلحق بالمشركين وقال: أنا أعلمكم بمحمد، وإني كنت لا أكتب إلا ما شئت، فمات ذلك الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الأرض لا تقبله قال أنس: فحدثني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرجل فوجده منبوذا، فقال أبو طلحة: ما شأن هذا الرجل؟ قالوا: قد دفناه مرارا فلم تقبله الأرض. صحيح: أخرجه أحمد، ورواه البخاري بلفظ آخر، وقال ابن كثير عن رواية أحمد: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجوه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا الحديث وما أشبهه يفهم من سياقه وملابساته.. ويوضح هذه الرواية ما جاء في الصحيحين عن أنس قال: كان منا رجل من بني النجار قد قرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق هاربا حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قالوا: هذا قد كان يكتب لمحمد فأعجبوا به فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فأصحبت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، ثم عادوا فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذا. وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 27501.
فإن هذا المرتد قد افترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الفرية فلم يصدر منه -صلى الله عليه وسلم- قول فيه إقرار على كتابة غير ما قاله أصلا، وإنما لما زين له الشيطان الردة افترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفر عنه الناس، ويكون قبول ذلك منه متوجها لأنه فارقه بعد خبرة، وذلك أنه لم يخبر أحدا من المسلمين قبل ردته بقولته هذه، وإنما قال ذلك وهو كافر مرتد عدو لله ولرسوله وللمؤمنين، يفتري على الله ما هو أعظم من ذلك، فظن عدو الله أن عمدة النبي على كتابته مع ما فيها من التبديل، ولم يدر أن كتاب الله تعالى آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وأنه لا يغسله الماء، وأن الله حافظ له، وأن الله يقرئ نبيه صلى الله عليه وسلم فلا ينسى إلا ما شاء الله مما يريد رفعه ونسخ تلاوته، وأن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزلت عليه الآية أقرأها لعدد من المسلمين يتواتر نقل الآية بهم وأكثر، وقد أظهر الله عز وجل كذب هذا الرجل وافتراءه آية بينة ومعجزة واضحة للنبي صلى الله عليه وسلم حتى لفظته الأرض. انتهى ملخصا من الصارم المسلول.
والله أعلم.