السؤال
أنا فتاة أعيش بسوريا ارتديت النقاب وقد وضع الله سبحانه حبه بقلبي ولكن أحيانا أعتقد أنه سنة وأحيانا أقول بل هو فرض وحتى الآن محتارة فإن كان فرضا لم لا يوضع بالحج ولم الخلاف عليه وأنا أعيش بمجتمع يرفض النقاب حتى أبي يقول لي الحجاب جيد ولكن لما هذا النقاب حتى أول ما وضعته سمعت كلمات كثيرة ويقول لي إذا نزعت النقاب سوف يصلي وعمي يقول إذا ذهبت إلى القرية بالنقاب سيقولون عني مجنونة.... وكلما تقدم لي خاطب يريد مني نزع النقاب ومنهم من يريد نزعه أمام إخوة الخاطب أي بعد الزواج وهذه هي العادات لمجتمعي وأهلي يقولون لي من أين سيأتي الشاب الملتزم الذي يرضى بوضع النقاب ونحن غالب مجتمعنا أعجمي ويقولون بأنني متشددة فماذا علي أن أفعل وبأن لكل شيء سببا فأنا أرجو من الله وحده الزوج الصالح التقي الذي يعينني على الطاعة، فهل إن طلبت ذلك أكون أطلب المستحيل ويجب أن أتنازل أم أنتظر الفرج من الله وهل يجوز لأبي الخاطب رؤية الفتاة.. فهل على البنت بالكتابة فقط وبوجود الأهل هل يجوز الخطبة فأمي تقول لي عادي ويمكن أن يكون نصيبك لأنني لا أرضى إلا بالملتزم ولا يوجد في بيئتنا ذلك... حتى بالنسبة للعمل فأنا خريجة كيمياء والمعامل لا يرضوا بالنقاب.... لا تنساني من صالح الدعاء لي بالثبات على الحق والزوج الصالح والموت بمدينة الرسول عليه الصلاة والسلام؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن لبس النقاب وهو تغطية المرأة وجهها عن الرجال الأجانب واجب على الراجح من أقوال العلماء، وراجعي الفتوى رقم: 18552.
وقد بينا فيها أن الشرع لم يمنع المرأة من ستر وجهها في الحج حال الإحرام عند حضور الرجال الأجانب إنما منعها من ستر وجهها بالنقاب فقط، ويجب عليها أن تستر وجهها بغيره عند وجود الرجال الأجانب.
وأما الخلاف في حكم النقاب فسببه تعارض بعض الأدلة فيه واختلاف أنظار العلماء حولها، ووجود هذا الخلاف فيه لا ينفي أن يكون واجبا، وما دام لبس النقاب واجبا فلا تجوز طاعة والدك في أمره إياك بنزعه، ولا تلتفتي إلى ما يثار لك حوله من لغط، وإنك إذا صبرت عليه في مثل هذه البيئة التي أنت فيها يعظم به أجرك بإذن الله، ففي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الترغيب والترهيب.
قال ابن القيم معلقا على هذا الحديث في كتابه مدارج السالكين: وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس، والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم.
فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه، وفقها في سنة رسوله، وفهما في كتابه، وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال، وأهل البدع فيه، وطعنهم عليه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه. انتهى.
ولعلك إذا صبرت واجتهدت في دعوة المسلمات بالحكمة والموعظة الحسنة أن ينتشر لبس النقاب في بلدك، ويجعل الله لك من ينصرك، وواقع الحال في كثير من البلاد خير شاهد على هذا، وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى معلقا على هذا الحديث: إن من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه وكان عبده الصالح والله يتولى الصالحين وهو كاف عبده. ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. فالله يكفيه مؤونة الناس بلا ريب. وأما كون الناس كلهم يرضون عنه فقد لا يحصل ذلك، لكن يرضون عنه إذا سلموا من الأغراض وإذا تبين لهم العاقبة، ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا كالظالم الذي يعض على يده يقول: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا* يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. وأما كون حامده ينقلب ذاما فهذا يقع كثيرا ويحصل في العاقبة فإن العاقبة للتقوى لا يحصل ابتداء عند أهوائهم وهو سبحانه أعلم. انتهى.
والنقاب ليس بمانع للخطاب من الإتيان للمرأة فكم من امرأة قد يرغب فيها لأجل نقابها، وكم من امرأة لا تلبس النقاب يعرض الناس عنها، فالذي ننصحك به أن تصبري وتسألي الله تعالى أن ييسر لك زوجا صالحا، وليس في ذلك طلب للمستحيل فقد ييسر الله عز وجل لك هذا الزوج ولو من غير بيئتك، قال الله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب {الطلاق:2-3}، ولا يجوز لأبي الخاطب أن يرى مخطوبة ابنه لأنها أجنبية عليه حتى يعقد لابنه عليها، ويشرع لابنه رؤيتها عند إرادة الخطبة، ولا بأس بأن تتم الخطبة فقط دون عقد النكاح عن طريق النت وبالكتابة وبالكلام والحديث، ولو لم يكن هنالك لقاء مباشر بين الخاطب ومخطوبته أو بين أهل كل منهما، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 96558.
وأما بالنسبة للعمل فلا خير في عمل يستوجب ترك النقاب، فمثل هذا العمل لا يجوز لك الالتحاق به إلا لضرورة، وما ضرك إن كنت مستغنية ولم تذهبي إلى العمل حفاظا على دينك، وانظري لذلك الفتوى رقم: 51733.
زادك الله حرصا على الخير ورزقنا وإياك الثبات على الحق حتى نلقاه إنه سميع مجيب.
والله أعلم.