السؤال
ورد في الحديث من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا لينال به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة أو كما قال صلى الله عليه وسلم. ما سر استعمال صيغة الحصر في الحديث لا يتعلمه إلا لينال به عرضا من الدنيا، وهل يفهم منها جواز التشريك في نية طلب العلم بين الدنيا والآخرة. ثم أليس فيما أفتيتم به من جواز عقد المسابقات ورصد الجوائز المالية في مجال العلم الشرعي دليلا على ذلك ؟ أليس جواز كون الجائزة المالية حافزا على طلب العلم الشرعي يدعو من يشترك في هذه المسابقات حتما إلى التشريك في النية ؟ وإلا فما فائدة رصد الجوائز إذن إذا كانت نية التشريك غير جائزة أصلا، وكيف تكون الجائزة حافزا على طلب العلم إذن ؟!.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة. يعني ريحها. رواه أبو داود، وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
قال أبو الحسن المباركفوري: أي لا يتعلمه لغرض من الأغراض إلا ليصيب به شيئا من متمتعات الدنيا. وفيه دلالة على أن الوعيد المذكور لمن لا يقصد بالعلم إلا الدنيا، وأما من طلب بعلمه رضا المولى ومع ذلك له ميل ما إلى عرض الدنيا فخارج عن هذا الوعيد، فابتغاء وجه الله يأبى إلا أن يكون متبوعا ويكون العرض تابعا. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1 / 326.
وقال القاري: قال الطيبي: فيه أن من تعلم لرضا الله تعالى مع إصابة العرض الدنيوي لا يدخل تحت الوعيد؛ لأن ابتغاء وجه الله تعالى يأبى إلا أن يكون متبوعا، ويكون العرض تابعا اهـ.... مرقاة المفاتيح 1 / 439، 440 بتصرف.
وقد تكلم أهل العلم على حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم عند قوله تعالى: ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون {البقرة: 41} منهم القرطبي وابن كثير.
وكذلك من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين، وأورد هذا الحديث في تفسيرها، ثم قال: يشكل على كثير من الطلبة من يدخل الجامعات لنيل الشهادة: هل يكون ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلا؟ والجواب: أن ذلك حسب النية؛ إذا كان الإنسان لا يريد الشهادة إلا أن يتوظف ويعيش، فهذا اشترى بآيات الله ثمنا قليلا؛ وأما إذا كان يريد أن يصل إلى المرتبة التي ينالها بالشهادة من أجل أن يتبوأ مكانا ينفع به المسلمين فهذا لم يشتر بآيات الله ثمنا قليلا؛ لأن المفاهيم الآن تغيرت، وصار الإنسان يوزن بما معه من بطاقة الشهادة. تفسير القرآن للعثيمين
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لهذا الحديث من سنن أبي داود: إن قيل: هل يدخل في هذا الحديث الاشتراك في المسابقات التي عليها جوائز، إذا كان طالب العلم ممن يحرص على العلم؟ الجواب: كون الإنسان يشتغل بالعلم من أجل معرفة الحق والهدى، ثم بعد ذلك جعلت مسابقة فيها جوائز ودخل فيها، فهذا لا يخرجه عن كونه تعلم العلم من أجل معرفة الحق والعمل به؛ لأنه لم يتعلم من أجل الجوائز، ولم يكن الباعث له أن يكون عنده استعداد للمنافسة في الجوائز، وإنما تعلمه لمعرفة الحق والهدى، وهذا جاء عرضا وتبعا وشيئا طارئا لم يكن هو المقصود عند التعلم وعند الاشتغال بالعلم. وأما هل يدخل في هذا من يدرس ليصبح مدرسا ويحصل على الراتب؟ فإذا كان غرضه الدنيا فقط فله نصيب من هذا الحديث، وإن كان قصده أنه يتعلم الحق ويعمل به وينفع الناس به، فهذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله له في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن الإنسان قد يعلم ويرشد الناس ويفيد التلاميذ ويكون سببا في هدايتهم وفي استقامتهم مع كونه مدرسا ويأخذ الراتب الذي يعطى للمدرسين، فإذا كان الباعث له أن يفيد الناس وأن يفيد الطلاب وأن يكون عونا لهم على معرفة الحق والهدى فلا شك أنه على خير؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ولكل امرئ ما نوى. شرح سنن أبي داود للشيخ العباد.
فحفظ القرآن وتعلم العلوم الشريعة لا يجوز إلا إذا كانت النية خالصة لوجه الله تعالى كسائر الطاعات، لا لأجل الدنيا أو الوظيفة أو المدح والثناء والجاه أو المسابقات.. وأما ما يحصل بسببها من منافع دنيوية فلا بأس بها، طالما أنها لم تكن هي الحامل على طلبها، فالحال هنا قريبة من حال من يصلي ويصوم وهو يعلم الفوائد الصحية المترتبة على هذه العبادات.
فالحكم إذن للباعث الأصلي على طلب العلم، أهو ابتغاء وجه الله، وما يحصل بعد ذلك من الدنيا يكون تابعا وفرعا، أم الباعث طلب الدنيا وزينتها، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
وللفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 11604، 58637، 39937، 76784.
والله أعلم.