حكم وضع الوالدين في دور المسنين

0 383

السؤال

ما هو حكم وضع الوالدين في دور المسنين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز وضع الوالدين أو أحدهما في دور المسنين إلا إذا كان هذا برضاه وإذنه ورغبته، وبشرط أن لا يكون هذا الإذن بسبب الاضطرار من سوء معاملة الابن مثلا، فإن إذنه عندئذ لا يجدي شيئا. ولكن يكون ذلك بعذر يقبله الوالد كأن يكون الابن مضطرا للسفر، ولا يستطيع أن يترك والديه أو أحدهما بلا راع ولا من يقوم بشئونه، وهو يعلم أن والده لا يغضب لذلك، فيستأذنه فيأذن له، مع التأكد من أن الدار التي ستستضيفه ستقوم بخدمته ورعايته على وجه لائق.

فقد عظم الإسلام حق الوالدين، وقرنه بأعظم الحقوق: حق الله تعالى، ولم يرض لهما دون مقام الإحسان.

 قال تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا {النساء:36}

 وقال: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا {الأنعام:151}.

و قد أمر الله تعالى بالتواضع والذل للوالدين، ونهى عن أدنى درجات الإيذاء لهما ولو بقول أف ، لا سيما حين يكبران ويحتاجان لرعاية أبنائهما، قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا  {الإسراء:23، 24} .

وأمر سبحانه بشكرهما وصحبتهما بالمعروف حتى ولو كفرا بالله تعالى.

 قال عز وجل: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير* وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون  {لقمان:14،15}

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم برهما من أفضل الأعمال، حتى قدمه على الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، فعن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة لوقتها . قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين . قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله. رواه البخاري، ومسلم.

وأقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله. قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما. رواه البخاري، ومسلم. واللفظ له.

وقرن بين الكبيرة المخلدة لصاحبها في النار ـ الشرك بالله ـ وبين عقوق الوالدين، فقال صلى الله عليه وسلم:  ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟  قالوا: بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين. رواه البخاري، ومسلم.

و إن كان الحامل على وضعهما في دار للمسنين هو سوء معاملتهما لأبنائهما، فإنه لا يجوز أيضا إذ هذا لا يسوغ عقوقهما، ولا يضيع حقوقهما، كيف وقد أمر الله بصحبتهما بالمعروف وإن كفرا واجتهدا في إيقاع الأبناء في الشرك بالله تعالى، كما قال عز وجل: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا { لقمان:15}

وعن معاذ قال : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات قال: لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت ، ولا تعقن والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك" الحديث. رواه أحمد، وحسنه الألباني.

ومما لا يخفى أن أحدا لا يحب أن يضعه أبناؤه في دار للمسنين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى. رواه مسلم.

قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم : ( وليأت إلى الناس الذي يجب أن يؤتى إليه ) هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وبديع حكمه، وهذه قاعدة مهمة فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم ألا يفعل مع الناس إلا ما يحب أن يفعلوه معه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة