السؤال
أرجو أن يتسع صدركم لقراءة الموضوع بالكامل: أنا ابن لأب عنده أربعة ذكور وثلاث إناث وترتيبي الثالث بين الذكور وعمري 44 عاما حيث إنني موظف وأتقاضى حاليا راتب 350 دينارا أردنيا وهو أقل راتب بين إخوتي حيث إن وضعهم المادي أفضل مني بكثير ووالدي لا يعمل منذ عشرين عاما ويعتمد في مصروفه علي وعلى إخوتي حيث قسم علينا مصروفه بالتساوي فكلنا يدفع نفس المبلغ، المشكلة بدأت تتسع وتكبر خلال الخمسة أعوام الماضية والدي يفرق في المعاملة معي منذ أن كنت طفلا ولكن لم أكن أتأثر بذلك ولكن مع مرور السنوات بدأت التفرقة بالوضوح أكثر وخاصة عندما أصبح لدينا أنا وإخوتي أطفالا حيث إن والدي يعامل أولاد إخواني أفضل من أولادي بكثير حتى أن أولادي الذين يبلغ أكبرهم الحادية عشر عاما يسألون باستمرار لماذا يعاملنا جدنا بهذه الطريقة لا أريد أن أطيل في الموضوع.. أبدأ بسرد المشكلة التي حصلت حيث إن والدي يملك بيتا وحيث إن إخوتي وضعهم المادي أفضل مني سمح لهم بالبناء فوق البيت وعندما عرض علي أنسبائي مساعدتي لكي أبني عند والدي تفاجأت به يرفض ويقول لا يمكن أن أسمح لك بالبناء حيث كانت هذه رغبة إخواني وقلت له إن لم أبن سوف أخرج وأستأجر خارج البيت ولكنه لم يكترث بي المهم خرجت واستأجرت بـ 120 دينارا وأصبح وضعي المادي حرج جدا حيث إن عدد أفراد عائلتي خمسة والحياة تحتاج إلى مصاريف كما تعلمون والآن والدي يصر على أن أدفع له فلوس مساعدة كما يفعل إخوتي الذين سمح لهم بالبناء عنده واستملاك جزء من الأرض وعندما قلت له لا أستطيع غضب مني ومنعني أن أدخل البيت عنده طبعا هذا مختصر عن سوء المعاملة التي يعاملني بها من دون إخوتي ونسيت أن أقول لكم أن والدي مقعد وقد كنت أقوم على خدمته أنا وإخوتي باستمرار ولكنه لم يكن يرضى عني كإخوتي ناهيك عن حديثه عني لكل الأقارب يشكوني لهم . سوف تستغربون لأني والله لا أدري ما سبب تلك المعاملة القاسية من قبل والدي أسأل الله الهداية لي وله فلا أدري ماذا أفعل وهل فعلا يغضب الله مني وحيث إنني ملتزم بالدين وأصلي وتراجعت أكثر من مرة لكي لا يغضب مني فأنا ملتزم ماديا وعلي ديون؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
لقد أمرنا الله بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أعظم الفرائض بعد الإيمان بالله، لا سيما في حال ضعفهما وعجزهما، قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما {الإسراء:23}
ومن الإحسان إلى الوالدين، الإنفاق عليهما عند حاجتهما، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد.
ولكن يشترط لوجوب الإنفاق أن يجد الابن ما ينفقه على والده زائدا عما يحتاج إليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك. رواه مسلم
فإذا كنت لا تجد مالا فاضلا عما تحتاجه لحاجاتك الأصلية، فلا يلزمك الإنفاق على والدك، وتجب نفقته على إخوتك الموسرين.
أما عن تفضيل والدك لإخوتك عليك وسماحه لهم بالبناء في بيته دونك، فإن هذا إذا كان بغير سبب يقتضي التفضيل، فإنه ظلم قد نهى الشرع عنه، فعن النعمان بن بشير قال: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال: فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. قال: فرجع، فرد عطيته. متفق عليه.
لكن هذا الظلم لا يبيح لك مقاطعة والدك أو التقصير في بره، فإن الله قد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالد المشرك الذي يأمر ولده بالشرك، قال تعالى: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون {لقمان:14}
وإنما لك أن تنصحه في ذلك بالرفق، أو تستعين بمن ينصحه ممن يقبل نصحه. وعليك أن تجتهد في الإحسان إليه بكل ما تستطيعه، وتعتذر له عن دفع النفقة لعجزك عن ذلك، وبمجرد أن يتيسر لك دفع شيء من النفقة فلا تتوانى في دفعه، واعلم أن حرصك على بر والدك والإحسان إليه، من أقرب الطرق إلى الجنة، فعن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع هذا الباب أواحفظه.
رواه ابن ماجه والترمذي وصححه الألباني.
والله أعلم.