السؤال
تقدم لخطبة أختي الحبيبة شاب مسلم على دين وخلق ولكنه غير عربي وهو معجب بدينها وإيمانها فهي ما شاء الله أخت صالحة تخاف الله وتخشاه حافظة لكتاب الله وتبتغي مرضاته .. لا أزكي على الله أحدا ولكن أحسبها كذلك إن شاء الله ..وهذا الشاب مصر وملح على والديه لما سمعه عنها وعن أسرتها الصالحة، وأختي الحبيبة محتارة وقلقة كونه ليس عربيا وبذات الوقت تخشى أن تحيد عن هدي حبيبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام حين قال: من ترضون دينه وخلقه .... الحديث. فماذا عليها أن تفعل؟ علما أن والده هو الآخر متردد من كونه غير عربي ويخشى من غضب الله.
شيخنا الفاضل أرشدنا وبينا لنا ما حكم الشرع من زواج الفتاة المسلمة العربية اللغة بمن هو مسلم ولكن لا يجيد اللغة العربية؟ أليس هذا ربما يكون سببا للاختلاف بينهما أثناء المعاشرة لاختلاف اللغة وبالتالي العادات، وهل تأثم الفتاة إذا جاءها من هو على دين وخلق ولكنه ليس من بلدها ورفضته بسبب العرف والتقاليد التي لا تسمح بزواج الفتاة من غير بلدها ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالكفاءة في النكاح مطلوبة، وقد اختلف العلماء بم تحصل، والراجح من أقوالهم أن الكفاءة المعتبرة في الزواج إنما تكون بالخلق والدين فقط، ولا ينظر لشيء وراء هذا؛ لأنه لا تفاضل بين غني وفقير, ولا بين حر وعبد ولا بين أبيض وأسود إلا بهما ؛ لقوله تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم {الحجرات:13}.
ولقوله تعالى: إنما المؤمنون إخوة {الحجرات:10} , وهذا ما دلت عليه أحاديث الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – فقد قال مخاطبا الأولياء: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن.
وقال مخاطبا الرجال: تنكح المرأة لأربع: لمالها و لحسبها و لجمالها و لدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
وهذا ما رجحه ابن القيم فقال في زاد المعاد: فالذي يقتضيه حكمه صلى الله عليه وسلم اعتبار الكفاءة في الدين أصلا وكمالا، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر. ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرا وراء ذلك. انتهى كلامه.
فتبين من هذا أن اختلاف العادات والتقاليد والجنسيات ينبغي ألا يقف حاجزا دون زواج أهل الإسلام بعضهم من بعض .
ولكن إن تقدم للمرأة صاحب دين وخلق ولم تشعر بارتياح نحوه, أو أحست أن اختلاف اللغة أو العادات قد يسبب لها بعض المتاعب والمشكلات فلا مانع من رفضه, لأن عقد النكاح عقد خطير لا بد وأن يحاط بما يضمن نجاحه واستمراره, ومن أهم تلك العوامل أن يتزوج الرجل بمن تطيب له ويطمئن إليها قلبه, وكذلك المرأة تتزوج بمن يغلب على ظنها أنه يلائمها في طباعها وأخلاقها.
وعلى ذلك فليس هناك حرج من رفض هذا الشاب لأن الحديث وإن كان فيه الأمر بتزويج صاحب الدين والخلق إلا أنه لا مانع شرعا من النظر إلى بعض الأمور الأخرى كالمال والجمال والبكارة ونحو ذلك, وفي السنة ما يدل على هذا المعنى, فقد ثبت استحباب نكاح البكر، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر: تزوجت ؟ قال نعم : قال أبكرا أم ثيبا ؟ ، قلت: ثيبا قال: فأين أنت من العذارى ولعابها .
وفي رواية: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وفي رواية: فهلا تزوجت بكرا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها.
قال النووي: وفيه فضيلة تزوج الأبكار وثوابهن أفضل.
وفي صحيح مسلم أيضا أن فاطمة بنت قيس طلقت فقال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: فإذا حللت فآذنينى. قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبى سفيان وأبا جهم خطبانى. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحى أسامة بن زيد. فعلل - صلى الله عليه وسلم – رفضه لمعاوية بأنه لا مال له, وعلل رفضه لأبي جهم بأنه شديد الطباع, كثير الضرب للنساء, فكل هذه أمور زائدة على الدين ولا مانع من اعتبارها والنظر إليها بشرط ألا تكون هي الأساس بل تكون مع الدين ومصاحبة له, أما لو تعارضت مع الدين فإنه لا شك في تقديم صاحب الدين حينئذ.
وعلى ذلك فلو رفضت أختك هذا الشاب للاعتبارات المذكورة فلا حرج عليها.
والله أعلم.