مسائل وإيضاحات حول المتصوفة

0 430

السؤال

حضرت جلسة قام فيها الشيخ بترغيب الناس في قراءة كتاب إحياء علوم الدين, وقال إن الله هو الذي خلق أعمالنا مستدلا بالآية "والله خلقكم وما تعملون", وأمر الناس ألا يأخذوا إلا من "أهل السند" الذين (كما يزعم) درسوا الدين شيخا عن شيخ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وعندما أسررت له أن الكثير من الشيوخ يدعون ذلك وهم متفرقون في العقيدة حضني على قراءة كتاب "قواعد العقائد" للغزالي, قائلا أنها مطابقة للعقيدة الطحاوية, وذكر "التأويل والتفويض", وقال بصلاح الأشاعرة والماتريدية ومدح أبا منصور الماتريدي وأبا حسن الأشعري، وذم الحشوية وأعرض عن شرح ما هي الحشوية المقصودة، لكنه استنكر القدرية والمرجئة والمعتزلة وقولهم بتقديم العقل على النقل.إني أعيش في بلاد الغرب, وأخشى ألا يكون هنالك من يرد عليه هنا, وأخشى أن تكون عقول الناس قد تلوثت وأرغب في تبيان الأمور أمام الجميع رغم أني أخاف أن أفرق صفوف المسلمين، قد قرأت فتواكم رقم 6784، فهلا أفدتموني بمزيد من التفصيل كي أقيم عليه الحجة في هذه الشبه إن شاء الله، قد علمت مثلا في إحياء علوم الدين أن الغزالي يروي أن من يرى أبو يزيد البسطامي خير له من رؤية الله تعالى سبعين مرة، هلا أفدتموني ببعض الأحاديث الموضوعة والعقائد الفاسدة في هذه الكتب مع حجية فسادها، جزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما ما في صدر السؤال من أن أفعال العباد مخلوقة فهذا هو الحق، ودليله الآية المذكورة في السؤال، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 19724.

وأما أمر الشيخ المذكور للناس ألا يأخذوا إلا ممن درسوا الدين شيخا عن شيخ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان مراده أن العلم ينبغي أن يدرس على أيدي أهله من العلماء والمشايخ الثقات العاملين بعلمهم، ولا يكتفي بمجرد قراءة الكتب وسماع الأشرطة ونحو ذلك، فهذا أيضا حق، فإن التلقي المباشر من أهل العلم يثمر التربية والتزكية والأدب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 28481.

وأما إن كان مراده بذلك الأخذ عن مشايخ الطرق الصوفية الذين يعطون البيعة لمريديهم، فهؤلاء عندهم من الانحرافات كالغلو في المشايخ والصالحين ما يكفي لمنابذتهم، ولا شك أنهم ليسوا على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد سبق بيان ذلك أيضا في الفتوى رقم: 8500، والفتوى رقم: 322.

وأما التفويض فمعناه في مذهب السلف الصالح تفويض العلم بكيفية ذات الله تعالى، وكيفية صفاته سبحانه، وأما معناه عند الخلف -كالغزالي وغيره من أهل الكلام- فمعناه تفويض معاني النصوص الشرعية الثابتة التي تعارض قواعدهم وعقائدهم التي لم يجدوا لها تأويلا، ولم يستطيعوا ردها، مع اعتقادهم أن ظاهر النص غير مراد، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 55619..

وأما التأويل فقد سبق بيان حقيقته وشروطه، وأن منهج السلف عدم التأويل مطلقا إلا بثبوت دليل، وذلك في الفتوى رقم: 64272، والفتوى رقم: 12101، وكذلك قد سبق بيان مذاهب القدرية والعتزلة والمرجئة في الفتاوى ذات الأرقام التالية على الترتيب: 9192، 17236، 20932.

وأما الغزالي رحمه الله تعالى، فهو علم من أعلام الأشاعرة، ورأس من رؤوس الصوفية، وصاحب فلسفة ومنطق، ومؤلفاته فيها الغث والسمين، وقد سبقت نبذة عنه في الفتوى رقم: 7667.

وكتابه إحياء علوم الدين فيه نفع كثير، وفيه طامات وبلايا توجب منع قراءته، إلا للمتحصن بعقيدة السلف الصالح من الخبير المطلع على عقائد الصوفية والحلولية والفلاسفة، كما سبق بيان ذلك في الفتوى المذكورة في السؤال وهي: 6784.

ومن بلايا الإحياء ما أشار إليه السائل من قصة أبي يزيد البسطامي..

 وأما الحشوية فهو لقب ونبذ ينبذ به المبتدعة أهل السنة المثبتين لصفات الله الواردة في الكتاب والسنة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: هذا اللفظ أول من ابتدعه المعتزلة، فإنهم يسمون الجماعة والسواد الأعظم الحشو، كما تسميهم الرافضة الجمهور، وحشو الناس: هم عموم الناس وجمهورهم وهم غير الأعيان المتميزين. يقولون: هذا من حشو الناس، كما يقال: هذا من جمهورهم. وأول من تكلم بهذا عمرو بن عبيد، وقال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه حشويا، فالمعتزلة سموا الجماعة حشوا كما تسميهم الرافضة الجمهور. انتهى.

وأما الأشاعرة والماتريدية، فمذهبهم وإن كان أقرب من غيرهم للسنة، إلا أنهم خالفوا أهل السنة في مسائل ليست بالهينة، وأهل السنة والجماعة هم الذين يسلكون منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان في القول والاعتقاد والعمل، وليس لهم اسم ولا رسم إلا أهل السنة والجماعة، أما الأشاعرة فهم المنتسبون لأبي الحسن الأشعري رحمه الله، وأما الماتريدية فهم المنتسبون لأبي منصور الماتريدي المتوفى سنة 333 هـ، ولهم أصول خالفوا فيها أهل السنة والجماعة، وخلافهم مع الأشاعرة محصور في مسائل يسيرة أوصلها بعضهم إلى ثلاث عشرة مسألة، والخلاف في بعضها لفظي.

 وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 10400.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة