السؤال
إخواني في الله لدي سؤال وقد تظنون أنه غريب، ولكنه أثار شكوكي، يوجد لدينا هنا شيخ في اسطنبول وهو مشهور في شارع تركي، وقد أفتى بجواز صيام النساء في رمضان أثناء عادتهم الشهرية -أي الحيض- ويقول إنه أجازها الله إذا كنت قادرة على الصيام -أي إذا كانت لديك طاقة لذلك- ملخص الكلام أرجو منكم أن تفيدوني في سؤالي، هل يجوز للمرأة الحائض أن تصوم، مع الأدلة؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما أفتى به هذا الشخص من أقبح الجهل وأسمج الضلال، وهو مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويوضع الجهل، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يقبض العلم إنتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
ولا يملك المسلم الغيور على الدين تجاه هذه الفتاوى الباطلة إلا أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولهذا فنحن نحذر المسلمين من استفتاء من لا علم له، ومن يعمل رأيه الفاسد فيخالف به ما أجمع عليه المسلمون عبر القرون، ونهيب بهم أن يستفتوا أهل العلم المعروفين بالتضلع من معين الكتاب والسنة، وهذه الفتوى مخالفة لصريح السنة ولإجماع المسلمين، فأما مخالفتها لصريح السنة، ففي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم، فذلك نقصان دينها. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. وهذا لفظ أبي داود.
وأما الإجماع، فقال النووي في شرح المهذب: فأجمعت الأمة على تحريم الصوم على الحائض والنفساء، وعلى أنه لا يصح صومها، كما قدمنا نقله عن ابن جرير، وكذا نقل الإجماع غيره، قال إمام الحرمين: وكون الصوم لا يصح منها لا يدرك معناه، فإن الطهارة ليست مشروطة فيها، وأجمعت الأمة أيضا على وجوب قضاء صوم رمضان عليها، نقل الإجماع فيه الترمذي وابن المنذر وابن جرير وأصحابنا وغيرهم. انتهى.
وكون بعض العلماء التمس حكمة لمنع الحائض من الصوم فعلل ذلك بما يحصل لها من الضعف لا يدل على أنها إذا كانت لا تضعف بالصوم تصوم، فإن المذكور حكمة للحكم، وليس علة يدور معها الحكم وجودا وعدما، ثم هي ظنية فلا يمكن أن تقضي على النصوص الثابتة في الصحيحين، وإنما يستأنس بها في معرفة أسرار الشريعة وغاياتها المحمودة، وأخيرا فنحن نحذر من إعمال العقل فيما ليس له فيه مدخل، فإن العقل له حد يقف عنده وينتهي إليه، ونحذر كذلك من الجرأة في الفتيا والقول على الله بغير علم، والله يهدينا والمسلمين سواء السبيل.
والله أعلم.