الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخطأت أيتها الزوجة عندما استجبت لداعي الخجل وكتمت داخلك مشاعر الحب تجاه زوجك ولم تبوحي له بها, وقد قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم – : إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم وصححه الألباني. قال الخطابي: معناه الحث على التودد والتألف وذلك أنه إذا أخبره أنه يحبه استمال بذلك قلبه واجتلب به وده، وفيه أنه إذا علم أنه محب له وواد له قبل نصيحته ولم يرد عليه قوله. انتهى.
فإذا كان هذا مندوبا إليه بين عموم المسلمين، فمن باب أولى بين الزوجين اللذين يجمعهما عقد النكاح الذي سماه الله سبحانه ميثاقا غليظا, ولعل ما وقر في قلب زوجك من إحساسه بعدم التوافق بينكما إنما سببه هذا الذي كان منك, وهو لا شك خلق مذموم، وليس من الحياء الذي مدحه الشرع في شيء، بل هذا عجز وخور. جاء في فتح الباري: والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا، بل هو عجز ومهانة، وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي. انتهى.
فعليك أن تطلبي – كما ذكرت – من زوجك أن يعطيك فرصة أخرى, لعل الله سبحانه أن يصلح فيها ما أفسده الشيطان بينكما, فإن الشيطان لا يفرح بشيء كفرحه حين يفرق بين زوجين. جاء في صحيح مسلم: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نعم أنت فيلتزمه .
وذكريه أن الطلاق إنما هو نهاية المطاف وآخر الدواء, ولا يصح اللجوء إليه عند أول بوادر الخلاف, إذ هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه لما فيه من التفريق بين المرء وزوجه، ولما يترتب عليه من الخصومات والعداوات بين الأسر . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه، ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانا. انتهى.
وذكريه أيضا بابنتكما، وأن من حقوقها أن تنشأ بين أبويها في أسرة مستقرة , فالطلاق أضر شيء بالأولاد غالبا , ويترك آثارا سيئة على نفوسهم ربما تستمر مدة حياتهم , فالحل في مثل هذا أن يلجأ الزوجان إلى معالجة مشكلاتهما بالحكمة والحوار والمصارحة, مع استصحاب نية الإصلاح والخير في ذلك كله. والله سبحانه يقول: إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا {النساء:35}.
أما ما اتهمك به من اتهام تقولين إنك منه بريئة, فحاولي أن تثبتي ذلك له بالقرائن, وذكريه بحرمة الظن السيئ بالمسلمين, وأن من حق المسلم على أخيه أن يحمل تصرفاته على أحسن الوجوه وأجملها. قال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم {الحجرات: 12}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا وأنت تجد لها في الخير محملا. وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه.
ويمكنك أن تستعيني عليه بمن يذكره بهذه المعاني من أهل العلم والفضل الذين وضع الله لهم قبولا عند الناس في بلدكم أو فيما جاورها. وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 96545, 2589 .
والله أعلم.