السؤال
كيف أفرق بين النصيحة والغيبة وذلك عندما أريد أن أحذر زميلا في العمل من تصرفات شخص آخر فعملي كرئيس قسم يوجب علي أن لا أظل صامتا ففي العمل يكثر حديث العاملين عن بعض حتى مديري لا يعلمني ويتحدث عني بالسوء ويتعمد إحراجي أمام العاملين عندما يظهر مني أي خطأ أثناء العمل وينشر ذلك عنى في إدارات المصنع وأتظاهر بأني لا أعلم شيئا، فماذا علي أن أفعل؟
أرجو الإجابة عن سؤالي بالتفصيل لأن هذا الموضوع يسبب لي الكثير من الضيق.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن ذكر المسلم أخاه المسلم في غيبته بسوء يعد من الغيبة المحرمة إذا كان صادقا فيما وصفه به, أما إن كان كاذبا فهو البهتان وكلاههما حرام، وإن كان البهتان أشد جرما وقبحا من الغيبة.
ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته.
قال النووي رحمه الله: والغيبة: ذكر الإنسان في غيبته بما يكره. انتهى.
وإذا كان الأصل في الغيبة هي التحريم إلا أنها تباح في بعض المواطن, وقد سبق بيان هذه المواطن بالتفصيل في الفتوى رقم: 6082.
ومن هذه المواطن نصيحة المسلمين وتحذيرهم من الشر ومن أصحاب البدع والمنكرات, فذكر الفاسق بما فيه للتحذير منه جائز؛ وقد يجب ذلك.
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الأصل في الغيبة الحرمة؛ وقد تجب أو تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها.
ثم ذكر الأبواب التي تجوز فيها الغيبة ومنها قوله: الرابع :تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية، أو مع نحو فسق أو بدعة وهم دعاة إليها ولو سرا فيجوز إجماعا بل يجب. وكأن يشير وإن لم يستشر على مريد تزوج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي، وقد علم في ذلك الغير قبيحا منفرا كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج.....الخامس: أن يتجاهر بفسقه أو بدعته كالمكاسين وشربة الخمر ظاهرا وذوي الولايات الباطلة، فيجوز ذكرهم بما تجاهروا به دون غيره، فيحرم ذكرهم بعيب آخر إلا أن يكون له سبب آخر مما مر. انتهى.
وعلى ذلك فإن كان حديث الزملاء في العمل بعضهم عن بعض من قبيل النصيحة والتحذير من تقصير بعض العمال مثلا أو خيانته أو إهماله وسائر ذلك مما يضر بمصلحة العمل أو مصلحة الشخص, فهذا جائز بشرط أن يكون بنية الإصلاح والخير لا بقصد التسلية وشغل الأوقات بالباطل, أو إلحاق الأذى والضرر بذلك الشخص وبشرط ألا يكون الدافع من وراء هذا التحاسد والتنافس على الدنيا ومناصبها الزائلة من رئاسة ووجاهة ونحو ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا كله يجب أن يكون على وجه النصح، وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن يكون بينهم عداوة دنيوية، أو تحاسد أو تباغض أو تنازع على الرئاسة، فيتكلم بمساوئه مظهرا للنصح، وقصده في الباطن القدح في الشخص، فهذا من عمل الشيطان، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، بل يكون الناصح قصده أن يصلح ذلك الشخص، وأن يكفي المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه. انتهى.
ويشترط أيضا في ذلك أن يكتفي بذكر القدر الذي يحصل به النصح والتذكير ولا يخوض فيما وراء ذلك من عيوب وعورات لا علاقة لها بالعمل ولا بما قصد النصح فيه, فإن الأصل في أعراض المسلمين الحرمة, وإنما جاز ذكر هذه العيوب والخوض فيها لمصلحة راجحة، وقد تقرر في قواعد الشريعة أن الضرورة تقدر بقدرها. وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17373، 6082، 26119.
والله أعلم.