السؤال
عنوان الفتوى : رخصة الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد للمصاب بالسلس
تاريخ الفتوى : 26 جمادي الأولى 1428 / 12-06-2007
أفتيتم فضيلتكم بأن وضوء صلاة المغرب باطل لأنه تم قبل نهاية وقت المغرب باثنتين وعشرين دقيقة. لكن ممكن أداء صلاة المغرب ونافلتها تأخذ هذا الوقت باعتبار لو أطال القراءة بعد الفاتحة أو صلى خلف شخص أطال القراءة.
وبالتالي هو ممكن ينتهي قبل وقت العشاء مباشرة ويستغرق كل هذا الوقت في صلاة المغرب ونافلتها. أو العكس مثلا هو ممكن ينتهي من الوضوء قبل نهاية وقت المغرب بخمس دقائق ويصلى المغرب ويدخل وقت العشاء لكن الركعتين بين أذان وإقامة العشاء وصلاة فريضة العشاء (وقد تطول القراءة فيها) ونافلتها والشفع والوتر قد يستغرق اثنتين وعشرين دقيقة أو أكثر. على أي شيء أفتيتم ببطلان الصلاة بالرغم من أن تقدير وقت الوضوء للجمع الصوري هو تقدير غير محدد لأن وقت الصلاة بقراءتها غير محدد.
ولقد سمعت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بسورة الأعراف وهى من الطوال. بمعنى أن الوقت الذي يتوضأ له صاحب السلس قبل نهاية وقت المغرب والوقت الذي يستمر صاحب السلس على وضوئه بعد دخول وقت العشاء هو وقت تقديري لم يحدده أحد من الفقهاء.
أيضا سمعت أن جبريل عليه السلام نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية وقت كل صلاة وفى آخرها إلا المغرب نزل أولها فقط، وبالتالي ممكن يكون وقت المغرب ضيق أول الوقت فقط، وبالتالي يكون اثنان وعشرون دقيقة هو ضمن وقت العشاء.
ما مدى صحة هذه الفتوى؟ وما مدى صحة تقدير وقت الجمع الصوري بالدقائق بالرغم من أنه لا يوجد أي تقدير لهذا الوقت في كتب الفقه على ما أعتقد ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأنت لم تفهمي الجواب المشكل فهما جيدا، فإننا إنما أفتينا السائل بإعادة العشاء لأنه لم يصلها في وقتها، ولم يجمعها مع المغرب جمعا صحيحا عند أكثر أهل العلم؛ لأن من شرط الجمع بين الصلاتين تقديما الموالاة بينهما، أما إذا فرق بينهما بفارق طويل عرفا لم يصح الجمع، إذ تكون صورة الصلاتين صورة المجموعتين، وإنما رخص من رخص في الجمع بين الصلاتين للمعذور إذا حصلت صورة الجمع، بأن يفرغ من الصلاة الأولى ثم يشرع في الصلاة الثانية دون فاصل طويل عرفا، سواء كان هذا الجمع حقيقيا أو صوريا.
وهذه الإيرادات التي أوردتها على الجمع الصوري لا تلزم القائل به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة أن تؤخر الظهر وتعجل العصر وتجمع بينهما بغسل واحد، فهو ظاهر كل الظهور في أنها تتطهر قبل خروج وقت الصلاة بوقت لا يسع إلا مقدار فعلها، ومثل هذا لا ينضبط بالدقائق وإنما مرده إلى العرف والعادة، وما كان من تفاوت يسير فإنه يغتفر، والمهم أن يحصل مقصود الشارع من وقوع تلك الصلاة المجموعة مع ما بعدها جمعا صوريا في آخر وقتها، بحيث تفعل الصلاة التالية لها في أول وقتها، فتحصل صورة الجمع.
والقول بصحة الجمع الصوري لصاحب السلس بوضوء واحد قد بينا في فتاوى سابقة أننا اعتمدنا فيه على ما ذهب إليه بعض أهل العلم كتقرير الشوكاني له في السيل الجرار، وهو سائغ أيضا على مذهب المالكية. والأحوط هو العمل بمذهب الجمهور الذين اتفقوا على بطلان طهارة صاحب السلس بدخول وقت الفريضة الأخرى. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 98830.
وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف فهذا صحيح، ولكن لا تعلق له بما نحن فيه، فإن كلامنا في جمع المعذور بين الصلاتين بوضوء واحد جمعا حقيقيا أو صوريا.
وأما كون جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم في وقت واحد للمغرب لم يزل عنه فهذا أيضا صحيح، وإليه ذهب الشافعي في الجديد فقال: إن للمغرب وقتا واحدا يتسع لفعل الفريضة ونافلتها ، وذهب الجمهور إلى خلاف هذا، ووافقهم محققو الشافعية فرأوا أن للمغرب وقتين، وأن وقتها يمتد إلى سقوط الشفق الأحمر وهو وقت دخول العشاء، وصوبه النووي.
ولا ينبغي أن يستشكل أمر السائل بإعادة الصلاة، فإن مذهب الجمهور أن المعذور لا يصلي بوضوئه إلا صلاة واحدة وما معها من النوافل، وأنه إذا أراد فعل الصلاة الثانية لزمه الوضوء لها.
ورخص في الجمع بين الصلاتين للمعذور الإمام أحمد رحمه الله، فأمر هذا السائل بإعادة الصلاة موافق لمذهب الجمهور، وموافق لمذهب أحمد أيضا، لأن صورة الجمع لم تتحقق، وفي المسألة قول ثالث وهو لمالك رحمه الله فمذهبه أن المعذور لا ينتقض وضوؤه بخروج الوقت أصلا.
والله أعلم.