حلف كذبا حتى لا يضيع حق شركته

0 239

السؤال

تمت معاملة مالية بين شركتي وبين أحد المتعاملين والذي كنت متأكدا أنه يحاول النصب على صاحب الشركة, حاولت نصيحة صاحب الشركة ولكنه لم يستمع لي نظرا لحداثة سني فى هذا الوقت وكونه مقتنعا بالتعامل مع هذا الشخص, والنتيجة كانت ضياع مبلغ كبير ولم نحصل فى المقابل إلا على شيك مسحوب على حساب بنكي مغلق مسبقا, وبصفتي المسؤول المالي فقد قمت بفتح بلاغ بهذا الشيك في قسم الشرطة، الشرطة التابع له محل إقامة هذا الشخص، علما بأنني كنت استلمت الشيك منه فى محل عملنا في مدينة أخرى, وتم القبض على هذا الشخص في قضية أخرى مشابهة ثم بدأت النيابة العامة التحقيق في دعوانا ونظرا لمكر هذا النصاب وسعة حيلته ومعرفته بثغرات القانون فقد حاول استغلال ثغرة من شأنها إضاعة حق الشركة أو على الأقل تأخير السداد عدة سنوات, وفى النيابة أثار هذه اللعبة وطلب شهادتي, وقبل أن أذهب استشرت أحد المحامين فأخبرني أنني إذا قلت الحقيقة فإن حق الشركة لدى هذا الشخص في حكم الضائع وطلب مني عدم قول الحقيقة إذا كنت أريد استرداد حقوق الشركة, ونظرا لعلمي بأنني سأقسم في النيابة فقد حاولت جاهدا لأجد مخرجا, وبالفعل هداني الله بأن توصلت إلى حل بأن أقوم بالتنازل عن هذه الدعوى مقابل الحصول من هذا الشخص على إيصال أمانة, وبالفعل عندما سألني رئيس النيابة رفضت الإجابة وقلت له لا داعي للشهادة فإنني قد جئت لأتنازل عن الدعوى مقابل ترتيب معين مع المتهم, وبالفعل قمت بعمل اتفاق مع المتهم على هذا الحل, ووافق فقمت بإرسال أوراق التنازل عن الدعوى إلى صاحب الشركة لتوقيعها ولكن مندوب الشركة تأخر في الرجوع لي, وفوجئت برئيس النيابة تنتابه العصبية ويسألني لماذا التأخير, فاستسمحته لبعض الوقت حتى يعود المندوب, ثم عاد لي أنا والمتهم بعد وقت قليل وقال لن نجلس طوال اليوم ننتظركم, وأخذني إلى مكتبه وأجبرني على القسم, ألححت عليه بأن ينتظر, واستسمحته وتذللت له ولكنه كان مصرا على أن ينهي الموضوع في الحال, أجبرني في النهاية على القسم ووجدت نفسي أمام خيارين إما أن أقول الحقيقة ويضيع الحق وإما أن أكذب ليثبت الحق, وبالرغم من أن رئيس النيابة يعرف الحقيقة بفراسته, وظهر من طريقتي أنني لا أريد أن أشهد وهو يعلم جيدا أن قول الحقيقة يضر صاحب الحق, إلا أنه أجبرني وبالفعل أقسمت اليمين وشهدت زورا وقلت غير الحقيقة, وكانت النتيجة أن ثبت حق الشركة والحمد لله وردت حقوق الشركة والحمد لله, ولكني الآن وجدت نفسي أنني قد شهدت زورا وحلفت يمينا غموسا, كان بقصد تثبيت الحق ولكنه غموس, فأرجو أن تفيدوني هل أنا مذنب وهل من كفارة, وادع لي الله أن يهديني؟ وجزاكم الله عني خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد كان الواجب عليك أن تسعى في إثبات حقوق الشركة بدون الكذب أو اليمين الكاذبة، وكان يمكنك استخدام المعاريض أو التورية، أما الإقدام على الكذب الصريح والحلف على ذلك فهو جائز إذا تعين سبيلا للحصول على الحق ولم يمكن استخدام المعاريض والتورية، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود.

قال الإمام النووي في رياض الصالحين: فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحا كان الكذب مباحا، وإن كان واجبا كان الكذب واجبا، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها والأحوط في هذا كله أن يوري ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصودا صحيحا ليس هو كاذبا بالنسبة إليه وإن كان كاذبا في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال. انتهى.

وقال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: اعلم أن الكذب قد يباح وقد يجب، والضابط كما في الإحياء أن كل مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعا. فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل بالكذب وحده فمباح إن أبيح تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك. انتهى.

فإن كان الوصول إلى الحق ممكنا بغير الكذب فقد أذنبت فيما فعلت وعليك المبادرة إلى التوبة والاستغفار، وإن كان ذلك متعينا للوصول إلى الحق فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، ونسأل الله عز وجل أن يهديك ويصلح لك شأنك كله.

 وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 39152، 110625، 111035، 115358.

وراجع في بيان اليمين الغموس وحكم الكفارة فيها الفتاوى ذات الأرقام التالية: 7228، 7258، 34211، 50626.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات