السؤال
في بلدنا في الشمال الإفريقي تشيع التفرقة بين الذكر والأنثى، فنجد البنات يقضين النهار في تنظيف البيت ومساعدة الأم (بالإضافة لمشاغل الدراسة) والعكس تماما للأولاد فهم يقضون الوقت بين الترفيه والأصحاب وما شابه. أنا الآن أم لبنات وأولاد وأريد أن أعدل بينهم. فهل لو طلبت من بناتي دون الأولاد أن يساعدنني بشكل دوري(تنظيف المطبخ ودورات المياه وغرف النوم والغسيل) أكون دخلت في مظنة الظلم. وهل يجوز أن تأمر الوالدة بناتها وعليهن الطاعة دون سؤال؟ أفيدوني بالرأي الشرعي في تنظيم أمور البيت بين جميع أفراده ومن يجب عليه أمور التنظيف والطبخ وغيره بحسب ما حدد الشرع. أريد أن يقوم بيتي على العدل والبركة. أفادكم الله ولا أريد أن يقع ظلم على أي منهم خصوصا البنات لأنه شاع ظلمهن.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطلبك من بناتك دون أبنائك أن يساعدنك في تنظيم البيت وشؤونه ليس من الظلم لهن في شيء، ذلك أن البنات عما قليل سيصبحن زوجات يناط بهن خدمة بيوتهن والقيام على شؤونها، لأن النبي جعل على المرأة الخدمة الباطنة داخل البيت، وجعل الخدمة الظاهرة خارجه على الرجل، قال ابن حبيب في "الواضحة": حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين على بن أبى طالب رضي الله عنه، وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كله. انتهى.
وإذا ثبت أن هذا واجب عليها عندما تصير زوجة، فينبغي إذا تدريبها على ذلك قبل زواجها؛ لأنها إذا تزوجت ولم تحصل الخبرة المطلوبة في ذلك، فإن ذلك سيعرضها لمشكلات عريضة، وقد رأينا كثيرا من البيوت ينفرط عقدها ويتفرق اجتماعها ويتشتت شملها بسبب ضعف خبرة المرأة في القيام بشؤون بيتها.
ولقد عهد في أحكام الشريعة المباركة أن الشرع يعتبر المآلات ويسد الذرائع، ولا شك أن زواج المرأة دون تمرسها في أمور إدارة بيتها ذريعة قوية للفساد والشقاق، فينبغي سدها حينئذ وذلك بتدريبها على ذلك وهي في بيت أبيها، كذلك عهد في أحكام الشريعة المباركة تدريب الصبيان على العبادة قبل حضور أوان التكليف بها وهو البلوغ، والحكمة من ذلك أنه إذا ما بلغ الصبي واشتغلت ذمته بالتكاليف كان مستعدا لها آخذا بأسباب الاستجابة، فقد روى أبو داود في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع. وقال الألباني: حسن صحيح.
وكذلك تعويدهم الصيام فعن الربيع بنت معوذ في حديث صوم يوم عاشوراء... وفيه: ونصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار.
قال ابن حجر معلقا على حديث الربيع: وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام، كما تقدم لأن من كان في مثل السن الذي ذكر في الحديث فهو غير مكلف. انتهى
وقال النووي: وفي هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم على العبادات لكنهم ليسوا مكلفين. انتهى.
ومن هذا الباب تعويد الفتاة وهي في بيت أبيها على أمور الخدمة حتى إذا ما تزوجت مارست واجباتها بيسر وحذق.
ويجب على البنت أن تطيع أمها عندما تأمرها بذلك؛ لأن طاعة الوالدين واجبة في المعروف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى.
وقال ابن الصلاح في فتاويه: وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية، ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات.
أما بالنسبة للأبناء فيمكن للوالدين استخدامهم في الخدمة التي تتعلق بخارج البيت من إحضار الحاجات وشرائها، وكذا مشاركة الأب فيما لو كان له عمل يحتاج فيه لمساعدة، كأمور التجارة ونحو ذلك، وكذا يمكن تدريبهم على تعلم بعض الأعمال والصناعات والعلوم التي تعينهم على القيام بأعمالهم ومسؤولياتهم مستقبلا.
والله أعلم.