الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أساء أهلك وإخوتك سامحهم الله حينما قصروا في حقك ومنعوك من الزواج, فإن عضل المرأة ومنعها من الزواج بصاحب الدين والخلق إثم كبير وظلم عظيم يفسق به الولي وتسقط به عدالته, ثم بعد ذلك تنتقل الولاية إلى من بعده من الأولياء، فإن امتنعوا من ذلك انتقلت الولاية للقاضي فيجبرهم على التزويج أو يزوجها رغما عنهم، ولذا فإنا نقول إذا وجدت لك فرصة للزواج وأصر أهلك على المنع فيمكنك حينئذ أن ترفعي أمرك للقضاء حتى يتولى القاضي تزويجك.
أما بخصوص ما تسألين عنه من أمر حرمانهم من الميراث فهذا لا يجوز لأن الظلم لا يقابل بظلم مثله, ومن عصى الله فيك فلا تقابليه بمعصية بل أطيعي الله فيه، وكل سيرد على ربه رهينا بكسبه، وقد خاب حينئذ من حمل ظلما, وإذا كان أهلك بسبب ظلمهم قد أفسدوا عليك قدرا من دنياك بمنعك من الزواج, فلا تتبعي خطوات الشيطان فتمنعيهم من حقوقهم فيكونوا أيضا سببا في فساد دينك وآخرتك, فإن منع الوارث من حقه في الميراث كبيرة من الكبائر.
قال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين: ومن الكبائر ترك الصلاة، ثم ذكر بعدها إلى أن قال: وقطيعة الرحم والجور في الوصية، وحرمان الوارث حقه من الميراث. انتهى.
واعلمي أن المال على الحقيقة ليس ملكا لك ولا لغيرك بل المال ملك لله وهو يضعه حيث يشاء ولذا قال سبحانه: آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه {الحديد : 7}.
جاء في تفسير الألوسي: أي جعلكم سبحانه خلفاء عنه عز وجل في التصرف فيه من غير أن تملكوه حقيقة. انتهى.
وأما الوصية بإنفاق هذا المال في وجوه الخير بعد الموت فهي جائزة في حدود الثلث, بشرط ألا يكون القصد من الوصية هو الإضرار بالورثة، قال تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار {النساء: 12}
قال ابن كثير رحمه الله: لتكون وصيته على العدل، لا على الإضرار والجور والحيف بأن يحرم بعض الورثة، أو ينقصه، أو يزيده على ما قدر الله له من الفريضة فمتى سعى في ذلك كان كمن ضاد الله في حكمته وقسمته. انتهى.
ولكن لا يعني هذا أن تمنعي من التصرف في مالك حال حياتك حفاظا عليه للورثة، كلا بل يجوز لك أن تنفقي منه ما تشائين في أمور الدين والدنيا ولو أنفقت مالك كله, ولكن دون قصد إضرار الورثة وحرمانهم.
وفي النهاية نذكرك بحق أمك عليك وأنه مهما كان منها فلا يجوز لك أن تهجريها ولا أن تفعلي ما يؤذيها, وكذا فإن الواجب عليك صلة إخوتك مهما كان منهم فإن صلة الرحم واجبة, وليس المراد بالصلة أن يصل الإنسان أرحامه إذا وصلوه فهذه مكافأة، بل المراد أن يصلهم وإن قطعوه ويحسن إليهم وإن أساءوا ويعطيهم وإن منعوا, فتلك هي الصلة التي أمر الله بها، روى البخاري وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها.
وفي صحيح مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيؤون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
والله أعلم.