ضابط التغيير لخلق الله المذموم منه وغير المذموم

0 560

السؤال

سؤالي هو كيف نعرف أن ما نفعله من عمليات تجميل تغيير لخلق الله فمثلا حرم الوشم ولكن لم يحرم الرسم بالحناء على الكفين وحرم الوصل ولم تحرم صبغة الشعر مع أن كل ما سبق هو عبارة عن تغيير وقد أجاز النبي للرجل الذي قطعت أنفه أن يتخذ أنفا من ذهب ولم يجز الوصل للفتاة التي سقط شعرها فما المقصود بتغيير خلق الله المنهي عنه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما استشكله السائل الكريم يعد بحق من المسائل التي تحتاج إلى ضبط، حتى أن العلامة القرافي قد قال: ما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه؛ فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر والشعر وصبغ الحناء وصبغ الشعر وغير ذلك. ونقله العدوي في حاشيته ولم يتعقبه.

وقد اجتهد أهل العلم في وضع ضابط للمذموم وغير المذموم من تغيير خلق الله، وقد سبق أن بينا في الفتوى رقم:  17718. أن عمليات التجميل منها ما لا يجوز، وهو ما كان غرضه طلب الحسن والجمال، وهذا من تغيير خلق الله تعالى.
ومنها ما يجوز، وهو ما يحتاج إليه الشخص لإزالة ضرر أو ألم أو شين، سواء خلق به الشخص أو نتج عن حادث أو مرض، كما في حديث عرفجة بن أسعد أنه قطع أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفا من ذهب. رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود والنسائي وأحمد، وحسنه الألباني. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 113708.

وممن اجتهد في وضع ضابط للمذموم من تغيير خلق الله الثعالبي فقال: اختلف المتأولون في معنى تغيير خلق الله، وملاك تفسير هذه الآية أن كل تغيير ضار فهو داخل في الآية، وكل تغيير نافع فهو مباح.

ومنهم القرطبي فقال: قيل: هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقيا؛ لأنه من باب تغيير خلق الله تعالى، فأما ما لا يكون باقيا كالكحل والتزين به للنساء فقد أجاز العلماء ذلك مالك وغيره.

وقال ابن عاشور: وليس من تغيير خلق الله التصرف في المخلوقات بما أذن الله فيه ولا ما يدخل في معنى الحسن؛ فإن الختان من تغيير خلق الله ولكنه لفوائد صحية، وكذلك حلق الشعر لفائدة دفع بعض الأضرار، وتقليم الأظفار لفائدة تيسير العمل بالأيدي، وكذلك ثقب الآذان للنساء لوضع الأقراط والتزين، وأما ما ورد في السنة من لعن الواصلات والمتنمصات والمتفلجات للحسن فمما أشكل تأويله. وأحسب تأويله أن الغرض منه النهي عن سمات كانت تعد من سمات العواهر في ذلك العهد، أو من سمات المشركات، وإلا فلو فرضنا هذه منهيا عنها لما بلغ النهي إلى حد لعن فاعلات ذلك. وملاك الأمر أن تغيير خلق الله إنما يكون إنما إذا كان فيه حظ من طاعة الشيطان، بأن يجعل علامة لنحلة شيطانية، كما هو سياق الآية واتصال الحديث بها. وقد أوضحنا ذلك في كتابي المسمى: النظر الفسيح على مشكل الجامع الصحيح .

ومن خلال الصور التي جاء النهي عنها في النصوص الشرعية يمكننا أن نقول إن ضابط التغيير الممنوع يتمثل في الآتي:

1 ـ كل ما جاء في النصوص الشرعية منعه فهو ممنوع ولا يبحث له عن علة أو سبب زيادة على النص الوارد، كالنمص والوشم ونحوه، وكل ما جاء في النص الشرعي جوازه أو مشروعيته حتى لو كان تغييرا فهو جائز أو مشروع على حسب ما جاء في النص، كالختان وقص الأظافر وحلق العانة ونحوه.

2 ـ التغيير الذي لم يرد الحديث عنه بخصوصه في النصوص الشرعية فهو بين أحد أمرين: إما أن يكون تغييرا حقيقيا أو تغييرا ظاهريا، فإن كان التغيير حقيقيا فهو أيضا ممنوع لعموم الأدلة القاضية بمنع تغيير خلق الله كحلق اللحية، وإن كان التغيير ظاهريا فإن كان بحيث يلتبس أمره على الناظر إليه ويظنه حقيقيا فهو لاحق بالتغيير الحقيقي ، كمن يصبغ شعره بالسواد ...

3 ـ أن يكون التغيير ناتجا عن التدخل الخارجي عن جسم الإنسان، فإذا كان التغيير ناتجا عن أجهزة الجسم عن طريق تنشيط بعض الغدد أو تحفيزها، باستخدام بعض الأدوية التي تساعد بعض أجهزة الجسم أو خلاياه على القيام بوظائفها المعتادة على النحو المعروف، فإن التغيير الناتج عن عمل هذه الأجهزة أو الخلايا أو الغدد بعد تنشيطها لتؤدي وظائفها المعهودة فإن هذا لا يعد داخلا في التغيير المنهي عنه .

وبتطبيق هذه الضوابط على الأمثلة التي ذكرها السائل من تغيير خلق الله، يزول الإشكال، والحمد لله.

وقد سبق بيان صفة الوشم المحرم في الفتوى رقم: 79078. وحكم وصل الشعر في الفتوى:  21698. وأن صبغ الشعر لا يدخل في تغيير خلق الله بالمعنى المذموم  في الفتوى رقم: 13834.

كما سبق الكلام على الحناء في الفتويين: 110441،  12480.

وبالنسبة للحديث الذي ذكره السائل الكريم عن وصل من يسقط شعرها، قد رواه البخاري ومسلم بألفاظ عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أمرأة جاءت إلى رسول الله صلى عليه وسلم فقالت: إني أنكحت ابنتي ثم أصابها شكوى فتمرق رأسها وزوجها يستحثني بها أفأصل رأسها؟ فسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة.

والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة