توضيح السبيل لأن تحب لغيرك ما تحبه لنفسك

0 273

السؤال

كيف نستطيع أن نحب لغيرنا ما نحبه لأنفسنا، هذا شيء صعب، لأن الإنسان لا يستطيع أن يتحكم بمشاعره، أحيانا أريد أن أحب للآخرين جميعهم ما أحبه لنفسي لكن لا أستطيع . يعني أدرك بعقلي أنني يجب أن أحب لغيري ما أحبه لنفسي لكن مشاعري لا تسير كما أريد، مثال عندي صديقة اشعر دائما أنها تغار مني أو تحسدني لا أعرف، ولكنها لا تظهر ذلك علنا وعلاقتي بها جيدة، أحاول دائما أن أحب لها الخير لكنني لا أستطيع، وأشعر أحيانا بالحزن إذا نالت مثلا علامة عالية في أحد المواد الدراسية. أعرف أن هذا لا يجوز ولكن لا أستطيع مع أنه إذا نالت صديقة أخرى علامة عالية أفرح. لا أدري ماذا أفعل؟ هل يعد هذا من عدم الإيمان؟ لأنه في الحديث: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه...هل إذا دعوت لها في صلاتي يزول الإثم عني؟ ماذا أفعل لكي أحب لغيري ما أحبه لنفسي؟ أرجو المساعدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمقتضى كمال الإيمان، أن يحب العبد لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره له من الشر ما يكره لنفسه. وقد يسهل هذا مع من يحبه الإنسان، ولكنه يشتد ويتعسر مع من لا يحبه أو ينفر منه لأذيته إياه، ولا يتسنى للعبد أن يصل إلى هذه المنزلة العلية مع من آذاه، إلا من أخلص نفسه لله وآثر رضاه، وكانت الآخرة همه، وزهد في دنياه، فمثل هذا يكون حبه وبغضه في الله، وعطاؤه ومنعه لله، لأنه علم أن الآخرة خير وأبقى.

قال تعالى: وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون {القصص: 60} وقال: وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع {الرعد: 26}

والمقصود أن معرفة حقيقة الدنيا والزهد فيها، وإدراك قدر الآخرة والإقبال عليها، هو أساس الوصول لهذا الخلق الفاضل: أن يحب لإخوانه المسلمين ما يحب لنفسه وإن أساؤوا إليه.

فعليك ـ أختي الكريمة ـ أن تنافسي من حولك، ولكن في درجات الآخرة والقرب من الله، وأما في أمور الدنيا فلا.

فقد قال الله تعالى بعد ذكر جزاء الأبرار في الجنة: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون {المطففين: 26}.

وقال الحسن البصري رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه فيه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.

ولكي تخف عليك مئونة ذلك، تدبري قول الله تعالى: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب *قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد {آل عمران:15،14} وقوله سبحانه: اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور {الحديد : 20}.

 فإن أيقنت بذلك سهل عليك أن تقابلي ما تكرهين من صديقتك المذكورة في السؤال بالتغاضي عنه ورده بالحسنى ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وسوف تكون لك العاقبة، كما قال تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {فصلت:34-35}.

فإن لم تستطيعي أن تصلي إلى هذه الدرجة العالية، فلا أقل من أن يحجزك إيمانك ودينك عن تعدي حدود الله في معاملتها، بحيث لا تصل علاقتك بها إلى حد القطيعة والإساءة والحسد، ولا يزيد الأمر على مجرد شعور قلبي لا تستطيعين دفعه ولا التحكم فيه، فإن هذا لا إثم عليك فيه إن شاء الله. وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين:33964 ، 2732. ولمزيد الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 76908، 49993.  

وأما دعاؤك لصديقتك هذه فلا شك أنه سيسهم في إزالة ما في قلبك نحوها، مع ما تدخرينه لنفسك من الجزاء الحسن على ذلك، ويكون لك نصيب من مدح الله للمؤمنين في قوله: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم {الحشر: 10}

قال السعدي: هذا دعاء شامل لجميع المؤمنين.. وهذا من فضائل الإيمان أن المؤمنين ينتفع بعضهم ببعض، ويدعو بعضهم لبعض، بسبب المشاركة في الإيمان المقتضي لعقد الأخوة بين المؤمنين، التي من فروعها أن يدعو بعضهم لبعض وأن يحب بعضهم بعضا. ولهذا ذكر الله في الدعاء نفي الغل عن القلب، الشامل لقليل الغل وكثيره، الذي إذا انتفى ثبت ضده، وهو المحبة بين المؤمنين والموالاة والنصح، ونحو ذلك مما هو من حقوق المؤمنين .. ووصفهم بالإقرار بالذنوب والاستغفار منها، واستغفار بعضهم لبعض، واجتهادهم في إزالة الغل والحقد عن قلوبهم لإخوانهم المؤمنين، لأن دعاءهم بذلك مستلزم لما ذكرنا، ومتضمن لمحبة بعضهم بعضا، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، وأن ينصح له حاضرا وغائبا، حيا وميتا، ودلت الآية الكريمة على أن هذا من جملة حقوق المؤمنين بعضهم لبعض. انتهـى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة