السؤال
أريد السؤال عن قول الإمام أحمد في الظلم من دعا فقد انتصر ولم يأخذ جزاء الصبر...وهل الدعاء على الظالم بقولنا حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم اثأر لنا منه ومكنا منه وأذقه كما أذاقنا يعتبر انتصارا؟ كيف والظالم ظلمه يزيد فأين الانتصار هنا؟ والمظلوم مخذول من القانون ومن ضعف الناس والظالم يتطاول ويزيد ظلمه..وحسبنا الله ونعم الوكيل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته عن الإمام أحمد رحمه الله إن كان ثابتا عنه فهو صحيح موافق للسنة، ولا إشكال فيه ولا غبار عليه، فإن الانتصار من الظالم مراتب ودرجات، فإذا ثأر المظلوم لنفسه وفعل بالظالم مثل ما فعل به كان منتصرا، وهذا جائز بشرط ألا يتعدى، قال تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل {الشورى :41}.
وإذا دعا على من ظلمه كان ذلك نوع انتصار أيضا، ولا يلزم من ذلك أن يكون كالأول، ووجه كونه انتصارا ما فيه من التنفيس عن المظلوم وتخفيف همه كما هو مشاهد معلوم، فإذا تركه ووكل أمر الظالم إلى الله كان ذلك أولى وأحسن وأدخل في باب العفو، ويدل لذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: سرقت ملحفة لها، فجعلت تدعو على من سرقها، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تسبخي عنه . قال أبو داود: لا تسبخي : أي : لا تخففي عنه. صححه الألباني في صحيح الترغيب .
ولا يلزم من كون الدعاء انتصارا أن يرتفع الظلم بمرة، بل قد يؤخر الله استجابة الدعاء لما له في ذلك من الحكمة، ولا يعني هذا أن الدعاء على الظالم لا يجوز، بل هو جائز لا حرج فيه قال الله عز وجل: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما {النساء:148}.
قال ابن كثير في التفسير: قال ابن عباس في الآية : يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد ، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إلا من ظلم ) ، وإن صبر فهو خير له انتهى .
وقد دعا جمع من الصحابة على من ظلمهم؛ كما دعا سعيد بن زيد على المرأة التي غصبته داره، ودعا سعد بن أبي وقاص على الذي بهته من أهل الكوفة، وهذا كله ثابت في الصحيح.
وقريب من هذا الدعاء الذي ذكرته ما ثبت في السنة، فعن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أصلح لي سمعي وبصري، واجعلهما الوارثين مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني منه ثأري. رواه البخاري في الأدب المفرد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك . . . واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا . رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
فهذا كله يدل على جواز الدعاء على الظالم ولا ينافي كونه نوع انتصار، والأولى تركه والعفو عمن ظلم كما دل على ذلك صريح القرآن، قال تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل :126}، وقال تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {الشورى :43}، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر : يا عقبة بن عامر : صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك. رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
ولعل الإشكال قد زال عنك بهذا التفصيل المتقدم.
والله أعلم.