الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاستدانة لحاجة غير مذمومة إذا كان في نية صاحبها الوفاء،
أما من استدان ولم يقض دينه مع كونه موسرا فإنه يأثم بذلك ويكون ظالما، ويجوز شكايته إلى القاضي الشرعي، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم. والمطل هو منع قضاء ما استحق أداؤه ، وروى أبو داود عمرو بن الشريد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته .
ولا ينبغي للمسلم الاستهانة بقضاء الديون فإن من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدين ، لما رواه مسلم عن أبي قتادة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجل فقال : يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك .
ومن الكبائر التي ذكرها الهيتمي في الزواجر: الاستدانة مع نيته عدم الوفاء أو عدم رجائه بأن لم يضطر ولا كان له جهة ظاهرة يفي منها والدائن جاهل بحاله . ثم ساق جملة من الأحاديث الدالة على ذلك ، فمنها : ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله .
وما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن . ومعنى معلقة أي محبوسة عن مقامها الكريم حتى يقضى عنه دينه .
وما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على المدين حتى فتح الله عليه الفتوح فكان يقضي الدين عن المدين ويصلي عليه ، فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين، فيسأل هل ترك لدينه فضلا فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى، وإلا قال للمسلمين صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح، قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته .
قال النووي في شرح مسلم: إنما كان يترك الصلاة عليه ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى .
فمن تدبر في هذه الأحاديث كان حريا به ألا يستدين إلا لحاجة وأن يبادر بأداء ما عليه من الديون متى أمكنه ذلك .
فأنت مخيرة في أمر أخيك بين المطالبة بحقك وشكايته إلى القاضي الشرعي ، وبين العفو ، ونذكرك بأن العفو وإن كان شاقا على النفوس فإن له منزلة عظيمة، ويتأكد هذا إذا كان أخوك هو الظالم لك فإن في العفو عنه محافظة على صلة الرحم وبرا بوالدتك.
قال الله تعالى: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم { النــور: 22}.
وقال سبحانه : وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين { الشورى:40}.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله .
وراجعي في فضل العفو الفتاوى الآتية أرقامها : 111346، 113587 ، 113608 .
والله أعلم.