عمله فيه شبهة وأبوه يجبره على البقاء فيه

0 256

السؤال

ماذا أفعل؟ أعمل بالمملكة العربية السعودية في شركة مقاولات، سافرت من 10 أشهر، وتركت زوجتي وابنتي، مع العلم أني كنت أعمل بمصر عملا محدودا، لكنه كان يكفي احتياجاتي والحمد لله، ولكني سافرت تلبية لرغبة أبي، وأريد أن أعود وأستقر بمصر لأسباب كثيرة؛ أهمها أن العمل الذي أعمل به تشوبه شبهة حرام، وسألت أهل العلم ونصحوني بترك العمل، ولكن المشكلة هي رفض أبي التام للاستقرار بمصر، ويهددني بطردي من المنزل انا وزوجتي، إن استقررت بمصر. وفي الحقيقة أنا أخاف الله وأن أكون عاقا له، وفي نفس الوقت لا يطاوعني ضميري على الاستقرار في هذا العمل المشبوه ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا ندري ما هو المقصود من قولك إن عملك فيه شبهة حرام، فإن كان قصدك أنه حرام محقق أو ترجح فيه جانب الحرمة فهنا يجب عليك تركه، ولا يجوز لوالدك أن يرغمك عليه، ولا يحل لك مطاوعته في ذلك. فبادر إلى الخلاص منه، فليس هذا من عقوق الوالد في شيء.

أما إن كان المقصود أنه مما اختلف العلماء فيه، وأردت أن تأخذ بالأحوط والأورع وتتركه، فلك هذا خصوصا بعدما نصحك أهل العلم بتركه. وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم –: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه و دينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. متفق عليه.

ولا شك أن الذي يستكثر من الشبهات والمكروهات فإن هذا يولده جرأة على الحرام المحض.

جاء في فتح الباري: ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم إذا كان من جنسه أو يكون ذلك لشبهة فيه، وهو أن من تعاطى ما نهي عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام، ولو لم يختر الوقوع فيه. انتهى.

واعلم أن هذه الحالة نعني ما إذا طلبا من ولدهما ما فيه شبهة، مما وقع فيه إشكال في كلام أهل العلم عليهم الرحمة، حتى نقل ابن الصلاح أن كثيرا من العلماء أوجب طاعتهما في الشبهات. ولا شك أن هذا الكلام يحتاج إلى تحرير وضبط فنقول: الظاهر أن كلام العلماء هنا في وجوب طاعتهما في المشتبهات، إنما هو فيما يكون المرة بعد المرة، أما المداومة على فعل المتشابهات لأجل طاعتهما فلا يجوز لما فيه من فساد دين المرء وذهابه، ويمكن أن يستأنس لهذا بما ذكره في عمدة القاري عن الطرسوسي من المالكية أنه قال: إذا نهياه عن سنية راتبة المرة بعد المرة أطاعهما، وإن كان ذلك على الدوام فلا طاعة لهما فيه لما فيه من إماتة الشرع. انتهى

بل إنهما إذا أمراه بفعل مشتبه مرة أو مرتين فينبغي النظر في المفاسد المترتبة على فعل هذا الأمر، ثم يقارن بالمصالح المترتبة على طاعتهما، فإن غلبت المصلحة وافقهما، وإن غلبت المفسدة خالفهما، فرب شبهة واحدة أقدم عليها المرء أورثته من الفساد في دينه ما يصعب تداركه وإصلاحه.

ويستأنس لذلك بما ذكره ابن دقيق العيد في كتابه "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام": عقوق الوالدين معدود من أكبر الكبائر في هذا الحديث، ولا شك في عظم مفسدته لعظم حق الوالدين إلا أن ضبط الواجب من الطاعة لهما والمحرم من العقوق لهما فيه عسر ورتب العقوق مختلفة .... إلى أن قال: والفقهاء قد ذكروا صورا جزئية وتكلموا فيها منثورة لا يحصل ضابط كلي، فليس يبعد أن يسلك في ذلك ما أشرنا إليه في الكبائر وهو أن تقاس المصالح في طرف الثبوت بالمصالح التي وجبت لأجلها والمفاسد في طرف العدم بالمفاسد التي حرمت لأجلها. انتهى.

واعلم أنه يمكنك الجمع بين الحسنيين نعني الرزق الحلال الذي لا شبهة فيه وطاعة الوالد، وذلك بأن تبحث عن عمل لا شبهة فيه خارج بلدكم، وبذا تحوز الخيرين وتحصل الفضلين.

والله أعلم.

 

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة