الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يرحم زوجك رحمة واسعة، ثم ننبهك إلى أن الواجب تقسيم تركة زوجك بعد موته فيكون حظك الربع، إذ ليس لزوجك ولد، وما بقي يقسم على القرابة حسب أنصبائهم، فإن فضل شيء عن أصحاب الفروض، كان لأولى رجل ذكر.
وإذا تصدقت عن زوجك بصدقة سواء كانت هذه الصدقة من تركتك منه أو غيرها، وسواء كانت على إخوتك أو غيرهم، فإن ثوابها يعود إليه، قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: الأئمة اتفقوا على أن الصدقة تصل إلى الميت، وكذلك العبادات المالية كالعتق. انتهى، وانظري الفتوى رقم: 9998.
وإذا كان إخوتك محتاجين، وتصدقت عليهم بما ذكر من تركة زوجك بنية أن يكون ثواب الصدقة له، نفعه ذلك إن شاء الله، وإن لم تنو الصدقة عنه فإن ثوابها يكون لك، لأنك أنت المالكة للمال إذ لم يعد لزوجك تعلق به بعد موته. وإذا لم يتصدق ولم يوهب له ثواب الصدقة لم يلحقه ذلك الثواب؛ لعموم قوله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. {النجم:39}.
وهل يلحق الميت ثواب بانتفاعك بتركته؟ قد بين أهل العلم أن الميت ينتفع بتركه ورثته أغنياء، ويلحقه بذلك الثواب، وذلك عند كلامهم على قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس.متفق عليه.
قال الشيخ ابن عثيمين: ويظن بعض العامة أنه إذا لم يوص فإنه لا أجر له وليس كذلك، بل إذا ترك المال لورثته فهو مأجور في هذا، وإن كان الورثة يرثونه قهرا، ولكن إذا كان مسترشدا بهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – لقوله: إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة. فإن أجره بذلك أفضل من أن يتصدق عنه بشيء من ماله. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر قوله: وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة. هو معطوف على قوله : إنك إن تدع. وهو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث، كأنه قيل: لا تفعل لأنك إن مت تركت ورثتك أغنياء، وإن عشت تصدقت وأنفقت، فالأجر حاصل لك في الحالين انتهى.
وقال الباجي في المنتقى: وقوله إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس. يقتضي أن ذلك خير لسعد؛ وإلا فلا فائدة له فيما هو خير لغيره دونه, وذلك يكون من وجهين:
أحدهما : أن بقاء ورثته في غنى عن الناس أطيب لنفسه من أن يدعهم عالة يتكففون الناس, وهذا الذي جبل عليه أكثر الناس، فما من أحد في الأغلب إلا يريد الخير والخصب لذريته وربما آثرهم في ذلك على نفسه.
والثاني: أنه يحتمل أن يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أنه أفضل له في الآخرة وأكثر لأجره. انتهى.
وإذا انتفع الورثة أو غيرهم بشيء من تركة الميت في أمور محرمة، فإنه لا يأثم بذلك لقوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى. {فاطر:18}، قال السفاريني رحمه الله في غذاء الألباب: مطلب : إذا ترك الموروث مالا وعصى به الورثة هل يكون شريكا لهم في المعصية أم لا ؟
واعلم أنه قد كثر السؤال عن مثل هذه المسألة من أن الإنسان إذا خلف مالا فعصى به الورثة يكون المورث شريكا لهم في المعصية، فأجبت عنها بأنه إن كان اكتسب المال من وجه حل، وأدى الحقوق المطلوبة منه على الوجه المشروع، لم يكن وجه لمشاركة الورثة في معصيتهم بالمال بلا محال. انتهى.
وفي معنى المال غيره من الأشياء التي قد تستعمل في الطاعة والمعصية، لكن ننبهك على أنه لا يجوز لك تمكين إخوتك من مشاهدة ما لا تجوز مشاهدته في التلفاز، وأن الإثم يلحقك أنت إذا قدرت على منعهم ولم تفعلي، وإذا انتفعوا بالتلفاز المملوك لك فيما لا يجوز شرعا كنت معينة لهم على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب.{المائدة:2}.
والله أعلم.