السؤال
هل حقا يوجد حديث فيما معناه أنه يقتضي على المسلم أن يطلب الرزق بكرامة وعزة نفس.
وهل علي أن أرفض فرصة للعمل متاحة لي إذا علمت أن صاحب العمل إنسان متكبر ويعامل الناس باستعلاء كأنهم والعياذ بالله عبيد له؟
هل حقا يوجد حديث فيما معناه أنه يقتضي على المسلم أن يطلب الرزق بكرامة وعزة نفس.
وهل علي أن أرفض فرصة للعمل متاحة لي إذا علمت أن صاحب العمل إنسان متكبر ويعامل الناس باستعلاء كأنهم والعياذ بالله عبيد له؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمؤمن مطالب أن يحيا بكرامة وعزة نفس في طلب الرزق، وفي كل فعل من أفعاله ومواقفه وأقواله التي تصدر عنه، فالعزة من صفات المؤمنين كما ذكر سبحانه في قوله: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون{المنافقون:8}.
وقد وردت جملة من الأحاديث تدعو إلى العفة والكرامة وعدم إذلال النفس، بعضها في طلب الرزق صراحة، وبعضها يدخل فيها طلب الرزق، وكل أفعال المسلم وأقواله.
فمن النوع الأول الذي يطلب من المسلم العفاف والكرامة والتؤدة وعدم إذلال النفس في طلب الرزق، ما صح من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء وصححه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: (إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها) الذي كتبه لها الملك وهي في بطن أمها فلا وجه للوله والتعب والحرص والنصب إلا عن شك في الوعد ( وتستوعب رزقها) كذلك فإنه سبحانه وتعالى قسم الرزق وقدره لكل أحد بحسب إرادته، لا يتقدم ولا يتأخر، ولا يزيد ولا ينقص، بحسب علمه القديم الأزلي، ولهذا سئل حكيم عن الرزق فقال: إن قسم فلا تعجل، وإن لم يقسم فلا تتعب (فاتقوا الله) أي ثقوا بضمانه لكنه أمرنا تعبدا بطلبه من حله فلهذا قال (وأجملوا في الطلب) بأن تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده) من الرزق وغيره إلا بطاعته. انتهى.
ولاشك أن قوله صلى الله عليه وسلم: فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. يرشد إلى الطلب بكرامة والمحافظة على عزة نفس المسلم وعدم إذلال النفس، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في استعاذته بين الفقر والذلة لأن بعض النفوس الضعيفة يحملها الفقر على إذلال النفس، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم. رواه أحمد وأبوداود والنسائي وصححه الألباني.
قال في عون المعبود:( والذلة ): أي من أن أكون ذليلا في أعين الناس بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه، والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة. اهـ
ومن الأحاديث التي تنهى المؤمن عن إذلال نفسه في طلب الرزق أو في غيره، قوله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجة وصححه الألباني.
وبناء على ما تقدم فإن كان هذا العمل سيعرضك للذل والمهانة والاستكانة لصاحب العمل الذي وصفته بالتكبر، فلا تقبل هذا العمل، وينبغي أن تسعي في طلب عمل شريف يصون عليك عزة نفسك، مع العلم بأنه لا يجب عليك رفض هذا العمل لمجرد تكبر صاحب العمل، ولكن هذا من باب الاستحباب، والتعفف والإجمال في طلب الرزق، ولا تيأس فسيأتيك رزقك المقدر، وفي الحديث عن حبة وسواء ابني خالد قالا دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئا فأعناه عليه فقال: لا تيئسا من الرزق ما تهززت رءوسكما، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ثم يرزقه الله عز وجل. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه البوصيري في الزوائد، والألباني. وللفائدة انظر الفتوى رقم: 94664.
والله أعلم.