حكم دفع الولد زكاته في قضاء دين والديه ونفقتهما الضرورية

0 616

السؤال

امرأة متزوجة تقول إن أهلها غارقون في ديون مما يؤدي إلى دفع نسبة كبيرة من معاش أبيها للديون، وبهذه الحالة يكونون بحاجة دائمة إلى المال للأكل، وبنزين للسيارة وغيره، وأبوها يطلب من إخوته وبناته المتزوجات وأصحابه مالا -استقراض- وكل ذلك ديون عليه. أما الأم فإنها عملت حاضنة أطفال لبناتها بأ جور عادية ولكنها منخفضة، وكانت توفر قسما من المال للحاجة الماسة وقسم تشتري به طعاما، ومع كل هذا فإنها أغلب الأيام تطبخ ويأتي قسم من بناتها المتزوجات ويأكلن أحيانا عندهم. فهل تجوز عليهم الزكاة من قبل البنت أي هل هم من المستحقين للزكاة؟ ومن عليه كفارة هل يستطيع دفعها لهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالظاهر أن هذين الوالدين بهذه الصفة المذكورة ممن يجوز دفع الزكاة إليهم، لأنهما من الغارمين إذ الظاهر من السؤال عجزهما عن سداد ديونهما، علما بأن الأصل عدم دفع الزكاة إلى الوالدين ومثلها الكفارة، لأن نفقتهما تلزم ولدهما، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، واستثنى العلماء من هذا الأصل بعض الحالات، فمنها:

دفع الزكاة في قضاء دينهما، فإنه جائز، لأن قضاء دين الوالدين لا يلزم الولد، ومنها عند شيخ الإسلام ومن وافقه أن يكون الولد عاجزا عن النفقة على والديه، فيدفع إليهما من مال الزكاة في هذه الحال.

قال الشيخ عبد العزيز ابن باز: دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة، إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم، وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز ... إلى أن قال: ...حتى ولو كان ابنك أو أباك وعليه دين لأحد ولا يستطيع وفاءه فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك، أي : يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك، فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك؛ لئلا يتخذ ذلك حيلة على منع الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه لأجل أن يستدين ثم يقضي ديونهم من زكاته. انتهى.

قال الشيخ ابن عثيمين: مسألة: إذا كان الأب فقيرا، وعند الابن زكاة وهو عاجز عن نفقة أبيه، فهل يجوز أن يصرفها لأبيه؟

الجواب: يجوز أن يعطيها لوالده؛ لأنه لا تلزمه نفقته؛ لأن الابن لا يملك شيئا، وهو هنا لا يسقط واجبا، والزكاة إما ستذهب إلى الوالد أو إلى غيره، فهل من الأولى عقلا فضلا عن الشرع، أن أعطي غريبا يتمتع بزكاتي ويدفع حاجته وأبي يتضور من الجوع؟

الجواب: لا؛ لأنني لا أستطيع أن أنفق على والدي ففي هذه الحال تجزئ الزكاة للوالد. انتهى. وانظري الفتوى رقم: 26323.

وبه يعلم أن دفع هذه البنت زكاتها في قضاء دين والديها جائز، وكذا دفعها الزكاة إليهما لنفقتهما الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، إن كانا عاجزين عن تحصيلها، وكانت لا تستطيع النفقة عليهما كما هو اختيار شيخ الإسلام ومن وافقه.

وأما الكفارة ككفارة اليمين ونحوها فهي كالزكاة  فلا يجوز دفعها إلى الوالدين كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 55523.

ولكن إ ذا كان المكفر عاجزا عن النفقة على من تلزمه نفقته من والديه جاز له صرف الكفارة إليهم كما يجوز له صرف الزكاة إليهم. قال الحافظ في الفتح  في كلامه على قول النبي صلى الله عليه وسلم للمجامع في نهار رمضان: أطعمه أهلك: وقيل: لما كان عاجزا عن نفقة أهله جاز له أن يصرف الكفارة لهم, وهذا هو ظاهر الحديث. انتهى.

وننبه ههنا إلى أن استئجار الأم في حضانة الأطفال هو خلاف البر الواجب، بل الواجب على هؤلاء البنات أن ينفقن على أمهن إذا احتاجت، لا أن يمتهنها بالاستئجار، قال الكاساني في بدائع الصنائع : ولا يجوز استئجار الرجل أباه ليخدمه، لأنه مأمور بتعظيم أبيه، وفي الاستخدام استخفاف به فكان حراما، فكان هذا استئجارا على المعصية، وسواء كان الأب حرا أو عبدا استأجره ابنه من مولاه ليخدمه، لأنه لا يجوز استئجار الأب حرا كان أو عبدا، وسواء كان الأب مسلما أو ذميا، لأن تعظيم الأب واجب وإن اختلف الدين قال الله تعالى: وصاحبهما في الدنيا معروفا. انتهى.

وننبه أيضا على أمر آخر وهو أن هؤلاء الأولاد لا ينبغي لهم أن يأكلوا من صدقاتهم، التي أعطوها إلى أمهم خروجا من خلاف من منع ذلك من أهل العلم، قال المواق في التاج والإكليل من المدونة: من تصدق على أجنبي بصدقة لم يجز له أن يأكل من ثمرتها، ولا يركبها إن كانت دابة، ولا ينتفع بشيء منها، ولا من ثمنها. انتهى.

 فإذا غلب على ظن المتصدق منكم أن أمه طبخت له من عين صدقته فلا ينبغي له أن يأكل من هذا الطعام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة