السؤال
هل هناك حديث للرسول صلي الله عليه وسلم يقول: خير أمتي في المدن. وما معنى هذا الحديث إن كان موجودا؟ أو ما هو المقصود به لأنني الآن أرى القرى ومناطق البدو خيرا من المدن بكثير؟
هل هناك حديث للرسول صلي الله عليه وسلم يقول: خير أمتي في المدن. وما معنى هذا الحديث إن كان موجودا؟ أو ما هو المقصود به لأنني الآن أرى القرى ومناطق البدو خيرا من المدن بكثير؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نقف على حديث بهذا اللفظ، ويشهد لأصل معناه قول النبي صلى الله عليه وسلم: من سكن البادية جفا. رواه أبو داود و الترمذي و النسائي، وصححه الألباني.
قال المباركفوري: قوله: من سكن البادية جفا. أي جهل، قال تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. قال القاضي: جفا الرجل إذا غلظ قلبه وقسا ولم يرق لبر وصلة رحم وهو الغالب على سكان البوادي لبعدهم عن أهل العلم وقلة اختلاطهم بالناس, فصارت طباعهم كطباع الوحوش. اهـ.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم. {التوبة:97}.
قال ابن كثير: لما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي، لم يبعث الله منهم رسولا؛ وإنما كانت البعثة من أهل القرى، كما قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى. {يوسف: 109}. ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عليه أضعافها حتى رضي؛ قال: لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي، أو ثقفي، أو أنصاري، أو دوسي. لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن: مكة، والطائف، والمدينة، واليمن، فهم ألطف أخلاقا من الأعراب؛ لما في طباع الأعراب من الجفاء. اهـ.
وقال السعدي: الأعراب وهم سكان البادية والبراري أشد كفرا ونفاقا من الحاضرة، الذين فيهم كفر ونفاق، وذلك لأسباب كثيرة منها: أنهم بعيدون عن معرفة الشرائع الدينية والأعمال والأحكام ؛ فهم أحرى وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله من أصول الإيمان، والأحكام الأوامر والنواهي . بخلاف الحاضرة، فإنهم أقرب لأن يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله فيحدث لهم بسبب هذا العلم تصورات حسنة، وإرادة للخير الذي يعلمون منه ما لا يعلم من يكون في البادية. وفيهم من لطافة الطبع والانقياد للداعي ما ليس في البادية، ويجالسون أهل الإيمان، ويخالطونهم أكثر من أهل البادية؛ فلذلك كانوا أحرى للخير من أهل البادية، وإن كان في البادية والحاضرة: كفار ومنافقون. ففي البادية أشد وأغلظ مما في الحاضرة. ومن ذلك: أن الأعراب أحرص على الأموال وأشح فيها. اهـ.
ولا يعني هذا أن كل أهل البادية كذلك، بل فيهم قطعا من هو خير من أهل المدن، ولذلك قال الله تعالى بعد ذلك: ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم. {التوبة: 99}. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 96739.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط: التحقيق أن سكان البوادي لهم حكم الأعراب سواء دخلوا في لفظ الأعراب أم لم يدخلوا، فهذا الأصل يوجب أن يكون جنس الحاضرة أفضل من جنس البادية، وإن كان بعض أعيان البادية أفضل من أكثر الحاضرة مثلا، ويقتضي أن ما انفرد به أهل البادية عن جميع جنس الحاضرة أعني في زمن السلف من الصحابة والتابعين فهو ناقص عن فضل الحاضرة أو مكروه. اهـ.
والله أعلم.