0 392

السؤال

كيف من الممكن أن تكون كتابة الشعر والخواطر محرمة، وأن يكون صاحبها مذنبا بينما هذه نعمة من الله أن يكون الإنسان قادرا على التعبير عن مشاعر وأحاسيس هي في الأصل من عند الله، وليست بالضروره أن تكون شخصية، وإنما بصفة عامة، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر ولم يحرمه، وفي عصره كانوا يبدأون مطلع القصيده بالغزل ولم يحرمه عليه الصلاة والسلام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
 

 فالشعر قد أوجز الكلام في حكمه من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم فقال: الشعر بمنزلة الكلام، فحسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام. رواه البخاري في الأدب المفرد، والطبراني في الكبير والأوسط وغيرهم وحسن إسناده الهيثمي ، وصححه الألباني.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال: هو كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح. رواه أبويعلى في مسنده، وقال الألباني: إسناده حسن.

وقال صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشعر حكمة. رواه البخاري.

وقال ابن العربي في أحكام القرآن : يعني أن الشعر ليس يكره لذاته وإنما يكره لمتضمناته. انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني: ليس في إباحة الشعر خلاف ، وقد قاله الصحابة والعلماء ، والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة العربية ، والاستشهاد به في التفسير ، وتعرف معاني كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ويستدل به أيضا على النسب والتاريخ وأيام العرب ، يقال : الشعر ديوان العرب. انتهـى

وأخرج البخاري في " الأدب المفرد " عن عائشة أنها كانت تقول :" الشعر منه حسن ومنه قبيح ، خذ الحسن ودع القبيح ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا منها القصيدة فيها أربعون بيتا. قال ابن حجر: وسنده حسن .

وبناء على هذا ، فلا وجه للقول بتحريم الشعر مطلقا كما ذكرت السائلة، فليس حكم الشعر واحدا فمنه ما يستحب وهو ما كان مشتملا على توحيد الله تعالى والثناء عليه، أو مدح رسوله صلى الله عليه وسلم بما ليس فيه غلو ، أو ذكر سيرته، أو ذكر أصحابه أو مدحهم ، أو ذكر المتقين وصفاتهم وأعمالهم أو كان مشتملا على مواعظ وزهد وحكم ومسائل علمية، أو دفاعا عن الإسلام كما في شعر حسان بن ثابت رضي الله عنه، ونحو ذلك ، ويتفاضل في الحسن حسب التفاضل الحاصل بين المواضيع .

بل تعلم بعض الشعر ما يكون فرض كفاية ففي الموسوعة الفقهية 26/115:" قال جمهور الفقهاء : فقد يكون فرضا كما نقل ابن عابدين عن الشهاب الخفاجي قال : معرفة شعر أهل الجاهلية والمخضرمين ( وهم من أدرك الجاهلية والإسلام ) والإسلاميين رواية ودراية فرض كفاية عند فقهاء الإسلام ؛ لأن به تثبت قواعد العربية التي بها يعلم الكتاب والسنة المتوقف على معرفتهما الأحكام التي يتميز بها الحلال من الحرام ، وكلامهم وإن جاز فيه الخطأ في المعاني فلا يجوز فيه الخطأ في الألفاظ وتركيب المباني. انتهى.

ومنه ما هو مباح- وهو الأصل في الشعر- كالشعر المشتمل على موضوعات أدبية لا تتضمن شيئا مما حرم الشرع .

ومنه ما هو محرم كالشعر المشتمل على ما يخل بالعقيدة، أو ينافي الأخلاق الحميدة أو الأدب الرفيع، أو فيه دعوة إلى الباطل والمنكر والفحشاء ، أو فيه هتك لأعراض المسلمين أو أذيتهم أو نحو ذلك ، فكل هذا قبيح مذموم ، ويعظم الجرم فيه حسب الموضوع المشتمل عليه .

ومنه ما هو كفر وإلحاد بدعوى الإبداع كالشعر المشتمل على الدعوة لنبذ الأديان والتحرر من العقيدة والإباحية واستحلال الخمور والزنا وغيرها من المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة .

ومن هنا يتبين وجه تحريم بعض أنواع الشعر وإن كانت خواطر كما تقولين، ويزول الإشكال، ويتبين أيضا أن ما ورد من ذم للشعراء في القرآن أو ذم للشعر في السنة، فإنما يذم من أسرف وكذب، فالغالب أن الشعراء يقولون الكذب، فيقذفون المحصنات، ويهجون الأبرياء، فوقع الذم على الأغلب، واستثني منهم من لا يفعل ذلك، كما قال سبحانه: والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون {الشعراء:224-227} .

وكذلك ما ورد في السنة من ذم لبعض حالات الشعر، فالمقصود به الإكثار من ذلك حتى يشغله عن القرآن والسنة والتفقه في الدين، أو ما كان فيه تشبيب بالنساء، أو هجاء وذم بغير حق ونحو ذلك، وللاستزادة حول أحكام الشعر وأحواله راجعي الفتاوى التالية أرقامها: 18243،17045 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات