السؤال
هل الحرام أكثر أم الحلال في الدنيا؟ سؤال سأله شخص لي ولم أعرف كيف أجيبه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن ما أحل الله أكثر مما حرم، فكل ما ينتفع به الإنسان مما في الأرض مباح له ما لم يأت دليل على الحظر، وكذلك كل العادات والمعاملات الأصل فيها الحل، وقد امتن الله علينا بذلك فقال تعالى: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا. {البقرة : 29}. وقال سبحانه: وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه. {الجاثية : 13}. وقال عز وجل: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. {الأعراف : 32}.
ولذلك لا يمكن حصر الحلال وذكر أفراده، بخلاف الحرام فيمكن فيه ذلك، كما قال تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم. {الأنعام : 145}. وقال سبحانه: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والأثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. {الأعراف:33}. وقال: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون. {الأنعام:151}. ولذلك قال تبارك وتعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه. {الأنعام: 119}.
فالمحرمات يمكن تفصيلها لكونها محصورة، ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم؟ أجاب بذكر ما لا يحل لبسه فقال: لا يلبس القميص ولا العمامة، ولا السراويل ولا البرنس ، ولا ثوبا مسه الورس أو الزعفران، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: التصريح بما لا يلبس أولى لأنه منحصر, وأما الملبوس الجائز للمحرم فغير منحصر فضبط الجميع بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يلبس كذا وكذا يعني: ويلبس ما سواه. اهـ.
وقال الشيخ الجديع في تيسير علم أصول الفقه: كل شيء مباح ما لم يرد دليل ينقله من تلك الإباحة إلى غيرها من الأحكام التكليفية. وهذا أصل استفيد من نصوص صريحة في الكتاب والسنة، وهو مناسب للمعقول الصريح، فإن من أعظم مقاصد التشريع: رفع الحرج، والإباحة تخيير، ورفع الحرج ثابت بها، بخلاف ما هو مطلوب الفعل أو الترك، فإن المكلف محتاج إلى تكلف القيام به مما تحصل له به المشقة، والأشياء لا حصر لها، فإن علقت بغير الإباحة من الأحكام التكليفية لزم منها تكليف غير متناه، وهذا لا يتناسب مع قدرة المكلف، ومع الرحمة به . وهذه قاعدة عظيمة في الفقه، فإن الأصل في كل شيء الحل حتى يوجد من الشرع دليل يخرجه من الحل، وأن ما يخرج من الحل إلى حرمة أو كراهة مفصل في الكتاب والسنة، وهو محصور معدود يمكن أن تستقصى أفراده. اهـ.
والله أعلم.