0 459

السؤال

نبش قبور قدماء المصريين (الفراعنة) وكشف وجوه الموتى بحجة معرفة تاريخ الأسر الفرعونية وما إلى ذلك... والإعلان عن اكتشاف مقبرة فرعونية وإخراج ما فيها من أجساد الموتى بل وعرضهم فى المتاحف!! هل هذا حرام أم حلال، فأفتونا جزاكم الله خيرا؟ مع الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الأصل في المشرك أنه يجوز نبش قبره، إن كان قد اندرس ولم يبق له أثر، لأنه لا حرمة له، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم: أمر بقبور المشركين فنبشت، عندما أراد بناء المسجد. وقال الحافظ ابن حجر بعد كلامه على قول النبي صلى الله عليه وسلم: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. وأما الكفرة فلا حرج في نبش قبورهم..اهـ

وأما المسلم فإنه لا يجوز نبش قبره إلا في حالتين: الأولى: عند الضرورة أو تحقيق مصلحة راجحة. والثانية: إذا بليت القبور بحيث لم يبق لحم ولا عظم.

وقال صاحب الإقناع: ويجوز نبش القبر لغرض صحيح كتحسين كفنه...اهـ وإفراده عمن دفن معه، والدليل على هذا قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتى أخرجته فجعلته في قبر على حدة. رواه البخاري وغيره..

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع: وأما نبش القبر فلا يجوز لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب، ويجوز بالأسباب الشرعية كنحو ما سبق، ومختصره أنه يجوز نبش القبر إذا بلي وصار ترابا، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض، وسائر وجوه الانتفاع... إلى أن قال: وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره، إلا أنه إذا دعت ضرورة لإدخال ميت على آخر قبل بلاء الأول جاز.

وأما نبش قبور الفراعنة فإنا لا نرى جوازه لما يحصل من تعظيم الكفرة عند كثير من العوام واعتزاز البعض بالانتساب إليهم، ولأن الأصل هو البعد عن إتيان مقابر المشركين لغير الاتعاظ بهم، فهذه المقابر ربما تحتوي على قبور كفار يعذبون.. وما كان كذلك فلا يجوز الدخول إليه إلا على جهة الاتعاظ والاعتبار، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، حذرا أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ثم زجر فأسرع حتى خلفها. وفي رواية البخاري: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم.

فإذا كان المسلم منهيا عن دخول مساكنهم إلا على جهة الاعتبار، فكيف بدخول مقابرهم؟ ولذا استدل أهل العلم بهذا الحديث على تحريم أو كراهة طلب الكنوز في قبور الكفار، قال الإمام القرافي في الذخيرة: وكره مالك طلب الكنوز في قبور الجاهلية لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أو خشية مصادفة قبر نبي أو رجل صالح.

وقال الإمام النووي في المجموع: (فرع) في نبش قبور الكفار لطلب المال المدفون معهم، قال القاضي عياض في شرح صحيح مسلم: اختلف العلماء في ذلك فكرهه مالك وأجازه أصحابه، قال: واختلف في علة كراهته فقيل: مخافة نزول عذاب عليهم وسخط لأنها مواضع العذاب والسخط، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن دخول ديار المعذبين، وهم ثمود -أصحاب الحجر- خشية أن يصيب الداخل ما أصابهم، قال: إلا أن تكونوا باكين، فمن دخلها لطلب الدنيا فهو ضد ذلك، وقيل: مخافة أن يصادف قبر نبي أو صالح بينهم.

وقال الإمام أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء: وقال الأوزاعي: لا يفعل -أي نبش قبور الكفار طلبا للمال- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر سجا ثوبه على رأسه واستحث راحلته ثم قال: لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تدخلوها وأنتم باكون مخافة أن يصيبكم ما أصابهم، فقد نهى أن يدخلوها عليهم وهي بيوتهم، فكيف يدخلون قبورهم، فهذه النقول تبين أن أهل العلم لم يخصصوا النهي في الحديث بمساكن ثمود أو نحوهم ممن استؤصلوا بعذاب في الدنيا، بل عمموا النهي في كل مواضع العذاب، سواء كان عذابا دنيويا أو برزخيا. انتهى..

وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22870، 18004، 19135، 44148، 108714.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة