السؤال
ذكرتم في الفتوى رقم:120861. القرينة التي تصرف الأمر بترديد الأذان من الوجوب إلى الاستحباب، وذكرتم ما تعقب به ابن حجر هذه القرينة. فهل هناك قرائن أخرى غير متعقبة؟ وإن لم يكن فلماذا لا يقال بالوجوب كما هو ظاهر الأمر؟
ذكرتم في الفتوى رقم:120861. القرينة التي تصرف الأمر بترديد الأذان من الوجوب إلى الاستحباب، وذكرتم ما تعقب به ابن حجر هذه القرينة. فهل هناك قرائن أخرى غير متعقبة؟ وإن لم يكن فلماذا لا يقال بالوجوب كما هو ظاهر الأمر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكر الله لك حرصك على العلم وتحريك للدليل، ثم اعلم أن ترديد الأذان من الوظائف المهمة التي لا ينبغي الإخلال بها، والاختلاف في وجوبه مما يحدو بالحريص على الخير إلى المحافظة عليه.
والصحيح الذي نختاره أن متابعة المؤذن مستحبة لا واجبة، وهذا قول الجماهير.
قال النووي في المجموع:
مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة وبه قال جمهور العلماء، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها وحكاه القاضى عياض. انتهى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول. أمر استحباب لا إيجاب، وليست القرينة التي ذكرناها في الفتوى المحال عليها، هي وحدها الصارفة لهذا الأمر من الوجوب إلى الندب، وإن كانت قوية صالحة لصرفه بمفردها، بل هناك قرائن أخرى احتج بها العلماء على أن متابعة المؤذن مستحبة.
قال العلامة العثيمين في الشرح الممتع:
وقوله: يسن لسامعه متابعته سرا، صريح بأنه لو ترك الإجابة عمدا فلا إثم عليه، وهذا هو الصحيح. وقال بعض أهل الظاهر: إن المتابعة واجبة، وإنه يجب على من سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول.
واستدلوا بالأمر: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. والأصل في الأمر الوجوب، ولكن الجمهور على خلاف ذلك.
واستدل الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا يؤذن فقال: على الفطرة، ولم ينقل أنه أجابه أو تابعه، ولو كانت المتابعة واجبة لفعلها الرسول عليه الصلاة والسلام ولنقلت إلينا.
وعندي دليل أصرح من ذلك، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث ومن معه: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم، فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب. ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم؛ وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه، وهؤلاء وفد قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه؛ وكون هؤلاء وفدا لبثوا عنده عشرين يوما؛ ثم غادروا؛ يدل على أن الإجابة ليست بواجبة، وهذا هو الأقرب والأرجح. انتهى.
ويدل على الاستحباب أيضا عمل السلف، فقد روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره: أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة: جلسنا نتحدث. فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد. قال ابن شهاب: فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام. انتهى.
فهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يتحدث الناس بحضرته، والمؤذن يؤذن وفي المسجد جمع من أكابر الصحابة، ثم لا يقع من أمر منهم نكير على من يترك متابعة المؤذن، قال الألباني رحمه الله في تمام المنة:
هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب ؟ فأجبت بهذا. انتهى.
فظهر لك بما ذكرناه قوة القول بأن إجابة المؤذن مستحبة لا واجبة.
والله أعلم.