هل أخطأ الكَُّتاب في كتابة بعض كلمات القرآن

0 411

السؤال

سؤالي هو: التباس علي في كتاب فتح القدير للشوكاني رحمه الله وهذا نص الكلام: وحكي عن عائشة أنـها سئلت عن: المقيمين. في هذه الآية، وعن قوله: إن هذان لساحران. وعن قوله: والصابئون. في المائدة ؟ فقالت : يا ابن أخي الكتاب أخطأوا. أخرجه عنهما أبو عبيد في فضائله، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر .
وقال أبان بن عثمان : كان الكاتب يملى عليه فيكتب فكتب: لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون. ثم قال : ما أكتب ؟ قيل له: اكتب:والمقيمين الصلاة . فمن ثـم وقع هذا. أخرجه عنه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر .
قال القشيري : وهذا باطل لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة فلا يظن بـهم ذلك . ويـجاب عن القشيـري بأنه قد روي عن عثمان أنه لما فرغ من المصحف أتـي به إليه قال : أرى فيه شيئا من اللحن ستقيمه العرب بألسنتها. أخرجه ابن أبي داود من طرق. فلا أفهم حكاية أمنا عائشة رضي الله عنها والباقي؟
وأما الآخر ففي كتاب الإحكام في أصول الإحكام لابن حزم رحمه الله:
فإن ذكر ذاكر الرواية الثابتة بقراءات منكرة صححت عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم مثل ما روي عن أبي بكر الصديق: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. ومثل ما صح عن عمر من قراءة: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. ومن أن ابن مسعود لم يعد المعوذتين من القرآن . وأن أبيا رضي الله عنه كان يعد القنوت من القرآن ونحو هذا .
قلنا: كل ذلك موقوف على من روى عنه شيء ليس منه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم البتة، ونحن لا ننكر على من دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الـخـطـأ، فقد هتفنا به هتفا، ولا حجة فيما روي عن أحد دونه عليه السلام، ولم يكلفنا الله تعالى الطاعة له، ولا أمرنا بالعمل به ولا تكفل بـحفظه، فالـخطـأ فيه واقع فيما يكون من الصاحب فمن دونه مـمن روى عن الصاحب والتابع، ولا معارضة لنا بشيء من ذلك. وبالله تعالى التوفيق .
وإنما تلزم هذه المعارضة من يقول بتقليد الصاحب على ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى القرآن، فهم الذين يلزمهم التخلص من هذه المذلة، وأما نحن فلا والحمد لله رب العالمين.
فلا أفهم هل بعض القراءات موقوفة على الصحابة؟ وهل يؤخذ بها؟ وكيف ذلك؟
ومن يقصد رحمه الله بكلمته: فهم الذين يلزمهم التخلص من هذه المذلة، وأما نحن فلا والحمد لله رب العالمين؟ وأرجو ترجمه سريعة للإمامين رحمهما الله؟
أرجو الجواب بالتفصيل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الشوكاني قد ذكر قبل هذا الكلام هنا وفي مواضع أخرى التوجيه الصحيح الذي يبين عدم اللحن في هذه الكلمات  ثم قال هنا بعد كلام :

وحكي عن عائشة أنها سئلت عن المقيمين في هذه الآية، وعن قوله تعالى: إن هذان لساحران. وعن قوله:  والصابئون. في المائدة ؟ فقالت : يا ابن أخي الكتاب أخطأوا.اهـ

فقوله هنا: وحكي بالبناء للمجهول يفيد تضعيفه للرواية عنها، ويؤيد التضعيف أن هذا الأثر رواه عن هشام  أبو معاوية  الضرير، واسمه: محمد بن خازم التميمي.

وقد وثق العلماء حديثه عن الأعمش، لكنهم عابوا أحاديثه عن غير الأعمش وقالوا: إنها مضطربة ، فقال ابن خراش: هو في الأعمش ثقة وفى غيره فيه اضطراب.

وصرح الإمام أحمد بأن أحاديثه عن هشام بن عروة بالذات فيها اضطراب.

وهذا يفيد ضعف هذه الرواية، ويجعلها غير صالحة للاحتجاج.

وقد ذكر السيوطي في الإتقان: بأن معنى قولها أخطأوا أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز، قال: والدليل على ذلك مالا يجوز مردود بإجماع من كل شيء وإن طالت مدة وقوعه. اهـ.

وأما أثر أبان فقد رده القشيري ولا يصح الاعتراض عليه بالأثر المروي عن عثمان فقد بينا في الفتوى رقم: 96034أنه موضوع، وذكرنا من قال بذلك من العلماء.

وقد قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن:

وهذه الآثار مشكلة جدا، وكيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد؟ ثم كيف يظن بهم ثانيا في القرآن الذي تلقوه من النبي كما أنزل وحفظوه وضبطوه وأتقنوه؟ ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته؟ ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه؟ ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهي عن تغييره؟ ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضي ذلك الخطأ وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف؟ هذا مما يستحيل عقلا، وشرعا، وعادة. وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة:

 أحدها: أن ذلك لا يصح عن عثمان فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع، ولأن عثمان جعل للناس إماما يقتدون به فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها، فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك وهم الخيار فكيف يقيمه غيرهم ،وأيضا فإنه لم يكتب مصحفا واحدا بل كتب عدة مصاحف، فإن قيل إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقها على ذلك، أو في بعضها فهو اعتراف بصحة البعض، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة وليس ذلك بلحن .

 الوجه الثاني: على تقدير صحة الرواية إن ذلك محمول على الرمز والإشارة ومواضع الحذف نحو الكتب والصابرين وما أشبه ذلك.

 الثالث: أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها كما كتبوا ولا أوضعوا، و لا أذبحنه بألف بعد لا ،و جزاؤا الظالمين بواو وألف، و بأييد بيائن، فلو قرئ بظاهر الخط لكان لحنا، وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشته في كتاب المصاحف. 

 وقال ابن الأنباري في كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك: لا تقوم بها حجة لأنها منقطعة غير متصلة، وما يشهد عقل بأن عثمان وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام، فيتبين فيه خللا ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه، كلا والله، ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه والوقوف عند حكمه، ومن زعم أن عثمان أراد بقوله أرى فيه لحنا، أرى في خطه لحنا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ، وإفساد الإعراب، فقد أبطل ولم يصب، لأن الخط منبئ عن النطق، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق، ومعلوم أنه كان مواصلا لدرس القرآن متقنا لألفاظه، موافقا على ما رسم في المصاحف المنقذة إلى الأمصار والنواحي، ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن مبارك، حدثنا أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانئ البربري مولى عثمان قال: كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها: لم يتسن، وفيها: لا تبديل للخلق، وفيها: فأمهل الكافرين. قال: فدعا بالدواة فمحا أحد اللامين فكتب: لخلق الله، ومحى فأمهل، وكتب فمهل ،وكتب لم يتسنه، ألحق فيها الهاء. قال ابن الأنباري: فكيف يدعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه ،وهو يوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده. انتهى.

وأما كلام ابن حزم فلعله يقصد به من يرى الاحتجاج بمذهب الصحابي، وقد تكلمنا علي الخلاف في حجيته وعلى بعض حياة الإمامين في الفتاوى التالية أرقامها :

26984، 35832، 121996، 39721، 72057، 58463.

والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات