الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان الذهب الذي ملكته زوجتك معدا للادخار أو للكراء أو نحو ذلك، أو كانت زوجتك ترى وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال، فالواجب عليها زكاة هذا الحلي على رأس الحول الهجري من وقت ملكها له، وما اشترته من ذهب في أثناء الحول، فإنها تبدأ بحساب حوله من شرائه، ومن ثم فإنها تزكيه عند حولان حوله، لأنه مال مستفاد من غير الذهب السابق، والمال المستفاد من غير نماء الأصل، لا يزكى عند حول أصله، وإنما يستقبل به حول جديد عند الجمهور.
ومذهب أبي حنيفة أن المال المستفاد يزكى بزكاة أصله، وإن لم يكن نماء الأصل، وإن أرادت زوجتك العمل بهذا القول لكونه أرفق فلا حرج، فإن غايته تعجيل الزكاة في الحول، وهذا لا حرج فيه عند الجمهور، وانظر الفتويين رقم: 104394، 122178.
وأما القول الذي سمعته من هذا الشيخ، وهو أنها لا تزكي إلا ما اشترته بناء على كونها زكت ما ملكته من قبل، فلعله مبني على القول الذي نسبه ابن قدامة في المغني لمالك من أن الحلي المعد للاستعمال يزكى لسنة واحدة.
قال في المغني عند سياق مذاهب العلماء في الحلي المعد للاستعمال: وقال مالك يزكى عاما واحدا. انتهى.
وقد نسب ابن قدامة نفسه لمالك عدم وجوب الزكاة في الحلي مطلقا.
قال ابن قدامة: وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه أو تعيره هذا ظاهر المذهب، وروي ذلك عن ابن عمر، و جابر، وأنس، وعائشة، وأسماء رضي الله عنهم، وبه قال القاسم، والشعبي، وقتادة، و محمد بن علي، و عمرة، و مالك، والشافعي. انتهى.
وكذا فعل النووي في شرح المهذب ، وهو المعروف عند المالكية أن الحلي المعد للاستعمال لا تجب فيه الزكاة، بل نقل الحطاب اتفاق المالكية عليه، قال في مواهب الجليل: لا زكاة في الحلي إذا سلم مما سيأتي ذكره سواء كان لرجل أو امرأة، واعلم أن الزكاة تسقط عن حلي الرجل في وجه واحد باتفاق وهو ما إذا اتخذه لزوجته، أو أمته، أو ابنته، أو خدمه أو ما أشبه ذلك إذا كانت موجودة واتخذه لتلبسه الآن، وكذلك خاتمه الفضة، وحلية لسيفه ومصحفه، وتجب في وجه واحد باتفاق وهو ما إذا اتخذه للتجارة، ويختلف فيما عدا ذلك مما سيأتي، وتسقط الزكاة عن حلي المرأة في وجهين باتفاق وهو ما إذا اتخذته للباسها أو لابنة لها لتلبسه الآن، وتجب في وجه باتفاق وهو ما إذا اتخذته للتجارة. انتهى.
وجاء في المدونة: وقال مالك في كل حلي هو للنساء اتخذته للبس. فلا زكاة عليهن فيه. انتهى.
وبهذا يظهر أن هذا القول المنسوب لمالك إما أن يكون غلطا عليه أو يكون قولا تراجع عنه أو نحو ذلك، فلا يسوغ الإفتاء به لمجرد وجوده في كتاب، وعليه فإن كان الحلي الذي لدى زوجتك مما تجب فيه الزكاة على الصفة التي قدمنا كأن كان معدا للادخار أو الكراء أو نحو ذلك فعليها زكاته كل حول على الصفة المشروحة سابقا، وقد بينا لك كيفية زكاة ما تستفيده من حلي أثناء الحول.
وأما إن كان هذا الحلي معدا للاستعمال ففيه قولان للعلماء عدم وجوب الزكاة فيه وهو قول الجمهور، ووجوبها فيه وهو مذهب أبي حنيفة وجماعة من العلماء وهو أحوط، وإن كانت زوجتك ترى هذا الرأي فعليها أن تزكي هذا الحلي كل عام هجري، وما تستفيد من الحلي في أثناء الحول فحكمه على ما تقدم إيضاحه.
وهاهنا تنبيه مهم وهو أن هذا الذهب إن كان معدا للتجارة فإنه يزكى عند حولان حول أصله الذي اشتري به، وإن لم يكن معدا للتجارة فالأحوط كذلك خروجا من الخلاف أن يزكى عند حولان حول أصله الذي اشتري به لأن الذهب والفضة، وفي معناهما الأثمان كلها يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، ولا ينقطع الحول بإبدال شيء منها بآخر عند كثير من العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا أبدل ذهبا بفضة، أي: كان عنده 20 دينارا وفي أثناء الحول باعها بـ 200 درهم.
فظاهر كلام المؤلف: أن الحول ينقطع؛ لأن الذهب غير الفضة بنص الحديث.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة... فإذا اختلفت هذا الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.
وعلى هذا فيكون كلام المؤلف عاما، حتى في إبدال الذهب بالفضة.
والمذهب: أن إبدال الذهب بالفضة لا يقطع الحول؛ لأنها في حكم الجنس الواحد، بدليل أن أحدهما يكمل بالآخر في النصاب.
والصحيح: أن أحدهما لا يكمل بالآخر في النصاب، وأن الحول ينقطع، لأنها من جنسين، وأيضا عروض التجارة تجب في قيمتها فلا ينقطع الحول إذا أبدل عروض التجارة بذهب أو فضة، وكذلك إذا أبدل ذهبا أو فضة بعروض تجارة؛ لأن العروض تجب الزكاة في قيمتها لا في عينها، فكأنه أبدل دراهم بدراهم، فالذهب والفضة والعروض تعتبر شيئا واحدا، وكذا إذا أبدل ذهبا بفضة إذا قصد بهما التجارة، فيكونان كالجنس الواحد. انتهى.
والله أعلم.